Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 92, Ayat: 19-21)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كان بعض أهل العربية يوجه تأويل ذلك إلى : وما لأحد من خلق الله عند هذا الذي يؤتى ماله في سبيل الله يتزكى { مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى } يعني : من يد يكافئه عليها ، يقول : ليس ينفق ما ينفق من ذلك ، ويعطى ما يعطى ، مجازاة إنسان يجازيه على يد له عنده ، ولا مكافأة له على نعمة سلفت منه إليه ، أنعمها عليه ، ولكن يؤتيه في حقوق الله ابتغاء وجه الله . قال : وإلا في هذا الموضع بمعنى لكن وقال : يجوز أن يكون الفعل في المكافأة مستقبلاً ، فيكون معناه : ولم يُرِد بما أنفق مكافأة من أحد ، ويكون موقع اللام التي في أحد في الهاء التي خفضتها عنده ، فكأنك قلت : وما له عند أحد فيما أنفق من نعمة يلتمس ثوابها ، قال : وقد تضع العرب الحرف في غير موضعه إذا كان معروفا ، واستشهدوا لذلك ببيت النابغة : @ وَقَدْ خِفْتُ حتى ما تَزِيدُ مَخافَتِي على وَعِلٍ فِي ذِي المَطارَةِ عاقِلِ @@ والمعنى : حتى ما تزيد مخافة وعل على مخافتي وهذا الذي قاله الذي حكينا قوله من أهل العربية ، وزعم أنه مما يجوز هو الصحيح الذي جاءت به الآثار عن أهل التأويل وقالوا : نزلت في أبي بكر بعَتْقه من أعتق . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَما لاِءَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى } يقول : ليس به مثابة الناس ولا مجازاتهم ، إنما عطيته لله . حدثني محمد بن إبراهيم الأنماطي ، قال : ثنا هارون بن معروف . قال : ثنا بشر بن السريّ ، قال : ثنا مصعب بن ثابت ، عن عامر بن عبد الله عن أبيه ، قال : نزلت هذه الآية في أبي بكر الصدّيق : { وَما لاِءَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى } . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : أخبرني سعيد ، عن قتادة ، في قوله : { وَما لاِءَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى } قال : نزلت في أبي بكر ، أعتق ناسا لم يلتمس منهم جزاء ولا شكورا ، ستة أو سبعة ، منهم بلال ، وعامر بن فُهَيرة . وعلى هذا التأويل الذي ذكرناه عن هؤلاء ، ينبغي أن يكون قوله : { إلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَى } نصباً على الاستثناء من معنى قوله : { وَما لاِءَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى } لأن معنى الكلام : وما يؤتي الذي يؤتي من ماله ملتسما من أحد ثوابه ، إلا ابتغاء وجه ربه . وجائز أن يكون نصبه على مخالفة ما بعد إلا ما قبلها ، كما قال النابغة : @ … وَما بالرَّبْعِ مِنْ أحَدِ إلاَّ أَوَارِيَّ لأَيْا ما أُبَيِّنُها … @@ وقوله : { وَلَسَوْفَ يَرْضَى } يقول : ولسوف يرضى هذا المؤتي ماله في حقوق الله عزّ وجلّ ، يتزكى بما يثيبه الله في الآخرة عوضا مما أتى في الدنيا في سبيله ، إذا لقي ربه تبارك وتعالى .