Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 92, Ayat: 11-18)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { وَما يُغْني عَنْهُ مالُهُ } : أيّ شيء يدفع عن هذا الذي بخل بماله ، واستغنى عن ربه ، مالُه يوم القيامة { إذَا } هو { تَرَدَّى } . ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { إذَا تَرَدَّى } فقال بعضهم : تأويله : إذا تردّى في جهنم : أي سقط فيها فَهَوى . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا الأشجعيّ ، عن ابن أبي خالد ، عن أبي صالح { وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إذَا تَرَدَّى } قال : في جهنم . قال أبو كُرَيب : قد سمع الأشجعيّ من إسماعيل ذلك . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله : { إذَا تَرَدَّى } قال : إذا تردّى في النار . وقال آخرون : بل معنى ذلك : إذا مات . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد { وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إذَا تَرَدَّى } قال : إذا مات . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { إذا تَرَدَّى } قال : إذا مات . حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا الأشجعيّ ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : إذا مات . وأَولَى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معناه : إذا تردّى في جهنم ، لأن ذلك هو المعروف من التردّي فأما إذا أُريد معنى الموت ، فإنه يقال : رَدِيَ فلان ، وقلما يقال : تردَّى . وقوله : { إنَّ عَلَيْنا لَلْهُدَى } يقول تعالى ذكره : إن علينا لَبيانَ الحقّ من الباطل ، والطاعة من المعصية . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إنَّ عَلَيْنا لَلْهُدَى } يقول : على الله البيان ، بيانُ حلاله وحرامه ، وطاعته ومعصيته . وكان بعض أهل العربية يتأوّله بمعنى : أنه من سلك الهدى فعلى الله سبيله ، ويقول : وهو مثل قوله : { وَعَلى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ } ويقول : معنى ذلك : من أراد الله فهو على السبيل القاصد ، وقال : يقال معناه : إن علينا للهدى والإضلال ، كما قال : { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرّ } وهي تقي الحرّ والبرد . وقوله : { وَإنَّ لَنا لَلآخِرَةَ والأُولى } يقول : وإن لنا مِلْك ما في الدنيا والآخرة ، نعطي منهما من أردنا من خلقنا ، ونحرمه من شئنا . وإنما عَنَى بذلك جلّ ثناؤه أنه يوفق لطاعته من أحبّ من خلقه ، فيكرمه بها في الدنيا ، ويهيىء له الكرامة والثواب في الآخرة ، ويخذُل من يشاء خِذلانه من خلقه عن طاعته ، فيهينه بمعصيته في الدنيا ، ويخزيه بعقوبته عليها في الآخرة . ثم قال جلّ ثناؤه : { فَأنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى } يقول تعالى ذكره : فأنذرتكم أيها الناس نارا تتوهَّج ، وهي نار جهنم ، يقول : احذروا أن تعصوا ربكم في الدنيا ، وتكفروا به ، فتَصْلَونها في الآخرة . وقيل : تلظَّى ، وإنما هي تتلظَّى ، وهي في موضع رفع ، لأنه فعل مستقبل ، ولو كان فعلاً ماضيا لقيل : فأنذرتكم نارا تلظَّت . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { ناراً تَلَظَّى } قال : تَوَهَّج . وقوله : { لا يَصْلاها إلاَّ الأشْقَى } يقول جلّ ثناؤه : لا يدخلها فيصلى بسعيرها إلاَّ الأشقى ، { الذي كذَّبَ وتَوَلَّى } يقول : الذي كذّب بآيات ربه ، وأعرض عنها ، ولم يصدّق بها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا وكيع ، قال : ثنا هشام بن الغاز ، عن مكحول ، عن أبي هريرة ، قال : لتدخُلنّ الجنة إلاَّ من يأبى ، قالوا : يا أبا هريرة : ومن يأبى أن يدخل الجنة ؟ قال : فقرأ : { الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى } . حدثني الحسن بن ناضح ، قال : ثنا الحسن بن حبيب ومعاذ بن معاذ ، قالا : ثنا الأشعث ، عن الحسن في قوله : { لا يَصْلاها إلاَّ الأشْقَى } قال مُعاذ : الذي كذّب وتولى ، ولم يقله الحسن ، قال : المشرك . وكان بعض أهل العربية يقول : لم يكن كذب بردّ ظاهر ، ولكن قصّر عما أمر به من الطاعة ، فجُعِل تكذيبا ، كما تقول : لقي فلان العدوّ ، فكذب إذا نكل ورجع . وذُكر أنه سمع بعض العرب يقول : ليس لحدّهم مكذوبة ، بمعنى : أنهم إذا لقوا صدقوا القتال ، ولم يرجعوا قال : وكذلك قول الله : { لَيَسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ } . وقوله : { وَسَيُجَنَّبُها الأتْقَى } يقول : وَسيُوَقَّى صِلِيَّ النار التي تلظَّى التقيُّ ، ووضع أفعل موضع فعيل ، كما قال طرفة : @ تَمَنَّى رِجالٌ أنْ أمُوتَ وَإنْ أَمُتْ فَتِلكَ سَبيلٌ لَسْتُ فِيها بأَوْحَدِ @@ وقوله : { الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى } يقول : الذي يعطي ماله في الدنيا في حقوق الله التي ألزمه إياها ، { يتزكى } : يعني : يتطهر بإعطائه ذلك من ذنوبه .