Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 96, Ayat: 1-8)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { اقْرأْ باسِمِ رَبِّكَ } محمداً صلى الله عليه وسلم يقول : اقرأ يا محمد بذكر ربك { الَّذِي خَلَقَ } ، ثم بين الذي خلق فقال : { خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ عَلَقٍ } يعني : من الدم ، وقال : من علق والمراد به من علقة ، لأنه ذهب إلى الجمع ، كما يقال : شجرة وشجر ، وقصَبة وقَصَب ، وكذلك علقة وعَلَق . وإنما قال : من علق والإنسان في لفظ واحد ، لأنه في معنى جمع ، وإن كان في لفظ واحد ، فلذلك قيل : من عَلَق . وقوله : { اقْرأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ } يقول : اقرأ يا محمد وربك الأكرم { الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ } : خَلْقَه للكتابة والخط ، كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { اقْرأْ باسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } قرأ حتى بلغ { عَلَّمَ بِالقَلَمِ } قال : القلم : نعمة من الله عظيمة ، لولا ذلك لم يقم ، ولم يصلح عيش . وقيل : إن هذه أوّل سورة نزلت في القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك : حدثني أحمد بن عثمان البصري ، قال : ثنا وهب بن جرير ، قال : ثنا أبي ، قال : سمعت النعمان بن راشد يقول عن الزهريّ ، عن عروة ، عن عائشة أنها قالت كان أوّل ما ابتدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة كانت تجيء مثل فَلَقِ الصبح ، ثم حُبِّب إليه الخلاء ، فكان بغار حِراء يتحنَّث فيه اللياليَ ذواتِ العدد ، قبل أن يرجع إلى أهله ، ثُمَّ يَرْجع إلى أهْلِهِ فيتزوّد لمثلها ، حتى فجأه الحقّ ، فأتاه فقال : يا محمد أنت رسول الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فَجَثَوْتُ لِرُكَبَتيَّ وأنا قائمٌ ، ثُمَّ رَجَعْتُ تَرْجُفُ بَوَادِرِي ، ثُمَّ دَخَلْت عَلى خَدِيجَةَ ، فَقُلْتُ : زَمِّلُونِي زَمَّلُونِي ، حتى ذَهَبَ عَنِّي الرَّوْعُ ، ثُمَّ أتانِي فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ، أنا جِبْرِيلُ وأنْتَ رَسُولُ اللّهِ ، قالَ : فَلَقَدْ هَمَمْت أنْ أطْرَحَ نَفْسِي مِنْ حالِقٍ مِنْ جَبَلٍ ، فَتَمَثَّلَ إليَّ حِينَ هَمَمْتُ بذلكَ ، فَقالَ : يا مُحمَّدُ ، أنا جِبْرِيلُ وأنْتَ رَسُولٌ اللّهِ ، ثُمَّ قالَ : اقْرأْ ، قُلْتُ : ما أقْرأُ ؟ قال : فأخَذَنِي فَغَطَّنِي ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، حتى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ ، ثمَّ قالَ : اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ فَقَرأْتُ ، فأتَيْتُ خَدِيجَةً ، فَقَلْتُ : لَقَدْ أشْفَقْتُ عَلى نَفْسِي ، فأخْبَرْتُها خَبَرِي ، فَقَالَتْ : أبْشِرْ ، فَوَاللّهِ لا يُخْزيكَ اللّهُ أبَداً ، وَوَاللّهِ إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحَمِ ، وَتَصْدُقُ الْحَديثَ ، وَتُؤَدِّي الأمانَةَ ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ ، وتُعِينُ عَلى نَوَائِبِ الْحَقِّ ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِي إلى وَرَقَةَ بنِ نَوفَلِ بنِ أسَدٍ ، قالَتِ : اسمَعْ مِنِ ابْنِ أخِيكَ ، فَسألَنِي ، فأخْبَرْتُهُ خَبِري ، فَقالَ : هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلى مُوسَى صَلى اللّهُ عليهِ وسلَّمَ ، لَيْتَنِي فِيها جَذَعٌ لَيْتَنِي أكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ ، قُلْتُ : أوَ مُخْرِجيَّ هُمْ ؟ قال : نَعَمْ ، إنَّهُ لَمْ يَجِىءْ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ ، إلاَّ عُودِيَ ، وَلَئِنْ أدْرَكَنِي يَوْمُكَ أنْصُرْكَ نَصْراً مُؤَزَّراً ، ثُمَّ كانَ أوَّلُ ما نَزَلَ عَليَّ مِنَ القُرآنِ بَعْدَ « اقْرأْ » : { ن والقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ما أنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإنَّ لَكَ لأَجْراً غَيرَ مَمْنُونٍ وَإنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ فَسَتُبْصِرُ ويُبْصِرُونَ } ، و { يا أيُّها المُدَّثِرُ قُمْ فأنْذِرْ } ، و { الضُّحَى وَاللَّيْلِ إذَا سَجَى } " حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : ثني عروة أن عائشة أخبرته ، وذكر نحوه ، غير أنه لم يقل : ثم كان أوّل ما أُنزل عليّ من القرآن … الكلام إلى آخره . حدثنا ابن أبي الشوارب ، قال : ثنا عبد الواحد ، قال : ثنا سليمان الشيباني ، قال : ثنا عبد الله بن شدّاد ، قال : أتى جبريل محمداً ، فقال : يا محمد اقرأ ، فقال : « وما أقرأ ؟ » قال : فضمه ، ثم قال : يا محمد اقرأ ، قال : « وما أقرأ ؟ » قال : { باسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } حتى بلغ { عَلَّمَ الإنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ } . قال : فجاء إلى خديجة ، فقال : " يا خديجة ما أراه إلا قد عُرِضَ لي " ، قالت : كَّلا ، والله ما كان ربك يفعل ذلك بك ، وما أتيت فاحشة قطّ قال : فأتت خديجة ورقة ، فأخبرته الخبر ، قال : لئن كنتِ صادقة إن زوجكِ لنبيّ ، ولَيَلْقَينّ من أمته شدّة ، ولئن أدركته لأومننّ به قال : ثم أبطأ عليه جبريل ، فقالت له خديجة : ما أرى ربك إلا قد قلاك ، فأنزل الله : { وَالضُّحَى واللَّيْلِ إذَا سَجَى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى } حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهريّ ، قال : ثنا سفيان ، عن الزهريّ ، عن عُرْوة ، عن عائشة قال إبراهيم : قال سفيان : حفظه لنا ابن إسحاق : إن أوّل شيء أُنزل من القرآن : { اقْرأْ باسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } . حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم النيسابوري ، قال : ثنا سفيان ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهريّ عن عروة ، عن عائشة ، أنّ أوّل سورة أُنزلت من القرآن { اقْرأْ باسْمِ رَبِّكَ } . حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن عمرو بن دينار ، عن عُبيد بن عُمير ، قال : أوّل سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم { اقرأْ باسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } . قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : ثنا شعبة ، عن عمرو بن دينار ، قال : سمعت عُبيد بن عُمير يقول : فذكر نحوه . حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : أخبرنا النضر بن شميل ، قال : ثنا قرّة ، قال : أخبرنا أبو رجاء العُطارديّ ، قال : كنا في المسجد الجامع ، ومقرئنا أبو موسى الأشعريّ ، كأني أنظر إليه بين بُردين أبيضين قال أبو رجاء : عنه أخذت هذه السورة : { اقْرأْ باسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } وكانت أوّل سورة نزلت على محمد . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، قال : ثنا محمد بن إسحاق ، عن بعض أصحابه ، عن عطاء بن يسار ، قال : أوّل سورة نزلت من القرآن { اقْرأْ باسْمِ رَبِّكَ } . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى وعبد الرحمن بن مهديّ ، قالا : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : أوّل ما نزل من القرآن : { اقْرأْ باسْمِ رَبِّكَ } وزاد ابن مهدي : و { ن والْقَلَمِ } . حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا وكيع ، عن شعبة ، عن عمرو بن دينار ، قال : سمعت عُبيد بن عُمير يقول : أوّل ما أنزل من القرآن { اقْرأْ باسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } . قال : ثنا وكيع ، عن قُرّة بن خالد ، عن أبي رجاء العطارديّ ، قال : إني لأنظر إلى أبي موسى وهو يقرأ القرآن في مسجد البصرة ، وعليه بُردان أبيضان ، فأنا أخذت منه { اقْرأْ باسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } ، وهي أوّلُ سورة أُنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم . قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : إن أوّل سورة أُنزلت : { اقْرأْ باسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } . ثم { ن والقَلَمِ } حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . وقوله : { عَلَّمَ الإنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ } يقول تعالى ذكره : علَّم الإنسان الخطّ بالقلم ، ولم يكن يعلمه ، مع أشياء غير ذلك ، مما علمه ولم يكن يعلمه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { عَلَّمَ الإنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } قال : علَّم الإنسان خَطًّا بالقلم . وقوله : { كَلاَّ } يقول تعالى ذكره : ما هكذا ينبغي أن يكون الإنسان أن يُنْعِمَ عليه ربُّه بتسويته خَلقه ، وتعليمه ما لم يكن يعلم ، وإنعامه بما لا كُفؤَ له ، ثم يكفر بربه الذي فعل به ذلك ، ويطغى عليه ، أن رآه استغنى . وقوله : { إنَّ الإنْسانَ لَيَطْغَى أنْ رآهُ اسْتَغْنَى } يقول : إن الإنسان ليتجاوز حدّه ، ويستكبر على ربه ، فيكفر به ، لأنْ رأى نفسه استغنت . وقيل : أن رآه استغنى لحاجة « رأى » إلى اسم وخبر ، وكذلك تفعل العرب في كل فعل اقتضى الاسمَ والفعلَ ، إذا أوقعه المخبر عن نفسه على نفسه ، مكنياً عنها فيقول : متى تراك خارجاً ؟ ومتى تحسبك سائراً ؟ فإذا كان الفعل لا يقتضي إلا منصوباً واحداً ، جعلوا موضع المكنى نفسه ، فقالوا : قتلت نفسك ، ولم يقولوا : قتلتك ولا قتلته . وقوله : { إنَّ إلى رَبِّكَ الرُّجْعَى } : يقول : إن إلى ربك يا محمد مَرْجِعَه ، فذائق من أليم عقابه ما لا قِبَل له به .