Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 36-36)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ } أي : في اعتقادهم ألوهية الأصنام { إِلاَّ ظَنّاً } اعتقاداً غير مستند لبرهان ، بل لخيالات فارغة ، وأقيسة فاسدة . والمراد بـ ( بالأكثر ) الجميع . { إِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ } أي : من العلم والاعتقاد الحق { شَيْئاً } أي : من الإغناء . فـ { شَيْئاً } في موضع المصدر ، أي : إغناء ما . أو مفعول لـ ( يغني ) ، و { مِنَ ٱلْحَقِّ } حال منه . { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } وعيد على اتباعهم للظن ، وإعراضهم عن البرهان . تنبيه قال الرازي في هذه الآية : اعلم أن الاستدلال على وجود الصانع بالخلق أولاً ، ثم بالهداية ثانياً ، عادة مطردة في القرآن . فحكى تعالى عن الخليل عليه السلام أنه ذكر ذلك فقال : { ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } [ الشعراء : 78 ] ، وعن موسى عليه السلام مثله فقال : { رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } [ طه : 50 ] ، وأمر محمداً صلى الله عليه وسلم بذلك فقال : { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ * ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ * وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ } [ الأعلى : 1 - 3 ] . وهو في الحقيقة دليل شريف ؛ لأن الإنسان له جسد وروح ، فالاستدلال على وجود الصانع بأحوال الجسد هو الخلق ، والاستدلال بأحوال الروح هو الهداية ، فههنا أيضاً ، لما ذكر دليل الخلق في الآية الأولى وهو قوله : { أَمَّن يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ } [ النمل : 64 ] أتبعه بدليل الهداية في هذه الآية . والمقصود من خلق الجسد حصول الهداية للروح ، كما قال تعالى : { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ النحل : 78 ] وهذا كان كالتصريح بأنه تعالى إنما خلق الجسد ، وإنما أعطى الحواس ، لتكون آلة في اكتساب المعارف والعلوم ، وأيضاً ، فالأحوال الجسدية خسيسة يرجع حاصلها إلى الالتذاذ بذوق شيء من الطعوم ، أو لمس شيء من الكيفيات الملموسة . أما الأحوال الروحانية ، والمعارف الإلهية ، فإنها كمالات باقية أبد الآباد ، مصونة عن الكون والفساد ، فعلمنا أن الخلق تبع للهداية ، والمقصود الأشرف الأعلى حصول الهداية . ولاضطراب العقول وتشعب الأفكار كانت الهداية ، وإدراك الحق بإعانته تعالى وحده . والهداية إما أن تكون عبارة عن الدعوة إلى الحق أو عن تحصيل معرفتها . وعلى كل فقد بينا أنها أشرف المراتب ، وأعلى السعادات ، وأنها ليست إلا منه تعالى . وأما الأصنام فإنها جمادات لا تأثير لها في الدعوة إلى الحق ، ولا في الإرشاد إلى الصدق ، فثبت أنه تعالى هو الموصل إلى جميع الخيرات في الدنيا والآخرة ، والمرشد إلى كل الكمالات في النفس والجسد ، وأن الأصنام لا تأثير لها في شيء من ذلك وإذا كان كذلك ، كانت عبادتها جهلا محضاً ، وسفهاً صرفاً . فهذا حاصل الكلام في هذا الاستدلال . اهـ . ثم بين تعالى حقية هذا الوحي المنزل ، رجوعاً إلى ما افتتحت به السورة من صدق نبوة المنزل عليه ، ودلائلها في آيات الله الكونية ، والمنبئة عن عظيم قدرته ، وجليل عنايته ، بهداية بريته ، فقال تعالى : { وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن … } .