Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 104, Ayat: 1-3)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } أي : لكل من يطعن في أعراض الناس ويغتابهم . أصله من الهمز بمعنى الكسر ، ومن اللمز بمعنى الطعن ، الحقيقيين . ثم استعيرا لذلك . ثم صارا حقيقة عرفية فيه . قال زياد الأعجم : @ تُدْلي بوُدٍّ إذا لاقيتَني كذِباً وإن أُغَيَّبْ فأنت الهامِزُ اللُّمَزَهْ @@ وبناء ( فُعَلَة ) يدل على أن ذلك عادة منه قد ضَرِيَ بها ؛ لأنه من صيغ المبالغة والآية عني بها من كان من المشركين بمكة ، همازاً لمازاً . كما في قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ … } [ المطففين : 29 - 30 ] الآيات ، وقوله : { هَمَّازٍ مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ … } [ القلم : 11 ] الآيات ، فالسبب ، وإن يكن خاصّاً ، إلا أن الوعيد عام ، يتناول كل من باشر ذلك القبيح . وسرّ وروده عامّاً ؛ ليكون جارياً مجرى التعريض بالوارد فيه ، فإن ذلك أزجر له وأنكى فيه . { ٱلَّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ } أي : أحصى عدده ولم ينفقه في وجوه البر . قال الإمام : أي : أن الذي يحمله على الحط من أقدار الناس ، هو جمعه المال وتعديده . أي : عده مرة بعد أخرى ، شغفاً به وتلذذاً بإحصائه ؛ لأنه لا يرى عزّاً ولا شرفاً ولا مجداً في سواه . فكلما نظر إلى كثرة ما عنده عنه ، انتفخ وظن أنه من رفعة المكانة ، بحيث يكون كل ذي فضل ومزية دونه . فهو يهزأ به ويهمزه ويلمزه . ثم لا يخشى أن تصيبه عقوبة على الهمز واللمز وتمزيق العرض ؛ لأن غروره بالمال أنساه الموت وصرف عنه ذكر المآل فهو { يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ } أي : يظن أن ماله الذي جمعه وأحصاه ، وبخل بإنفاقه مخلده في الدنيا ، فمزيل عنه الموت .