Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 104, Ayat: 4-9)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ كَلاَّ } أي : فليرتدع عن هذا الحسبان ، فإن الأمر ليس كما ظن . بل لا بد أن يفارق هذه الحياة إلى حياة أخرى يعاقب فيها على ما كسب من سيئ الأعمال ، كما قال : { لَيُنبَذَنَّ فِي ٱلْحُطَمَةِ } أي : ليلقين وليقذفهن يوم القيامة في النار التي من شأنها أن تحطم كل ما يلقى فيها . أي تكسره ، وكلمة ( النبذ ) تفيد التحقير والتصغير { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحُطَمَةُ } استفهام عنها لتهويل أمرها . كأنها ليست من الأمور التي تدركها العقول { نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ } أي : هي النار التي لا تنسب إلا إليه سبحانه ، لأنه هو مُنشِئُها في عالم لا يعلمه سواه . قال أبو السعود : وفي إضافتها إليه سبحانه ، ووصفها بالإيقاد من تهويل أمرها ما لا مزيد عليه . { ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ } قال ابن جرير : أي : التي يطلع ألمها ووهجها على القلوب . والاطلاع والبلوغ قد يكونان بمعنى . حكي عن العرب سماعاً ( مَتَى طَلَعْتَ أرضَنَا ) . و ( طلعتُ أرضي ) بلغتُ . وقال الزمخشري : يعني : أنها تدخل في أجوافهم حتى تصل إلى صدورهم وتطلع على أفئدتهم ، وهي أوساط القلوب . ولا شيء في بدن الإنسان ألطف من الفؤاد ، ولا أشد تألماً منه بأدنى أذى يمسه . فكيف إذا اطلعت عليه نار جهنم واستولت عليه ! ! ويجوز أن يخص الأفئدة لأنها مواطن الكفر والعقائد الفاسدة والنيات الخبيثة . أو تطالع على سبيل المجاز معادن موجبها . { إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ } أي : مغلقة مطبقة لا مخلص لهم منها { فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ } صفة لمؤصدة ، أو حال من الضمير المجرور . وإلى الوجهين أشار الزمخشريّ بقوله : والمعنى أنه يؤكد يأسهم من الخروج ، وتيقنهم بحبس الأبد ، فتؤصد عليهم الأبواب ، وتمدد على العمد ، استيثاقاً في استيثاق . ويجوز أن يكون المعنى أنها عليهم مؤصدة ، موثقين في عمد ممدودة ، مثل المقاطر التي تقطر فيها اللصوص . و ( المقاطر ) جمع ( مقطرة ) بالفتح ، وهي جذع كبير فيه خروق يوضع فيها أرجل المحبوسين من اللصوص ونحوهم ( وتقطر ) أي : يجعل كلٌّ بجنب آخر ، و ( عمد ) قرئ بضم العين والميم وفتحهما . قال ابن جرير : وهما قراءتان معروفتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء . ولغتان صحيحتان . والعرب تجمع العمود عُمُداً وعَمَدا ، بضم الحرفين وفتحهما ، كما تفعل في جمع إهاب تجمعه أُهُباً وأَهَبا . تنبيه قال القاشاني في بيان آفات رذيلتي الهمز واللمز اللتين نزلت في وعيدهما السورة ، ما مثاله : الهمز أي : الكسر من أعراض الناس ، واللمز أي : الطعن فيهم ، رذيلتان مركبتان من الجهل والغضب والكبر ؛ لأنهما يتضمنان الإيذاء وطلب الترفع على الناس . وصاحبهما يريد أن يتفضل على الناس ، ولا يجد في نفسه فضيلة يترفع بها . فينسب العيب والرذيلة إليهم ، ليظهر فضله عليهم . ولا يشعر أن ذلك عين الرذيلة . فهو مخدوع من نفسه وشيطانه موصوف برذيلتي القوة النطقية والغضبية . ثم قال : وفي قوله تعالى : { وَعَدَّدَهُ } [ الهمزة : 2 ] إشارة أيضاً إلى الجهل ؛ لأن الذي جعل المال عدة للنوائب ، لا يعلم أن نفس ذلك المال يجر إليه النوائب . لاقتضاء حكمة الله تفريقه في النائبات ، فكيف يدفعها ؟ وكذا في قوله : { يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ } [ الهمزة : 3 ] أي : لا يشعر أن المقتنيات المخلدة لصاحبها هي العلوم والفضائل النفسانية الباقية ، لا العروض والذخائر الجسمانية الفانية . ولكنه مخدوع بطول الأمل ، مغرور بشيطان الوهم عن بغتة الأجل . والحاصل أن الجهل الذي هو رذيلة القوة الملكية ، أصل جميع الرذائل ، ومستلزم لها . فلا جرم أنه يستحق صاحبه المغمور فيها ، العذاب الأبديّ المستولي على القلب المبطل لجوهره .