Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 11-11)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } أي : على الضرّاء ، إيماناً بالله ، واستسلاماً لقضائه { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي : في الرخاء والشدة ، شكراً لآلائه ، سابِقها ولاحقها { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ } أي : لذنوبهم بتلك الشدة { وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } أي : على الصبر والأعمال الصالحة . تنبيه قال القاشانيّ قدَّس الله سره : ينبغي للإنسان أن يكون في الفقر والغنى ، والشدة والرخاء ، والمرض والصحة ، واثقاً بالله ، متوكلاً عليه ، لا يحتجب عنه بوجود نعمه ، ولا بسعيه وتصرفه في الكسب ، ولا بقوته وقدرته في الطلب ، ولا بسائر الأسباب والوسائط ، لئلا يحصل اليأس عند فقدان تلك الأسباب ، والكفران والبطر والأشر عند وجودها ، فيبعد بها عن الله تعالى ، وينساه فينساه الله . بل يرى الإعطاء والمنع منه دون غيره . فإن أتاه رحمة من صحة أو نعمة ، شكره أولاً برؤية ذلك منه ، وشهود المنعم في صورة النعمة ، وذلك بالقلب ، ثم بالجوارح باستعمالها في مراضيه وطاعته ، والقيام بحقوقه تعالى فيها ، ثم باللسان بالحمد والثناء متيقناً بأنه القادر على سلبها ، محافظاً عليها بشكرها ، مستزيداً إياها ، اعتماداً على قوله تعالى : { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } [ إبراهيم : 7 ] . قال أمير المؤمنين عليه السلام : إذا وصلت إليكم أطراف النعم ، فلا تنفّروا أقصاها بقلة الشكر . ثم إن نَزَعَها منه ، فليصبر ولا يتأسف عليها ، عالماً بأنه هو الذي نزع دون غيره ، المصلحة تعود إليه ، فإن الرب تعالى كالوالد المشفق في تربيته إياه ، بل أرأف وأرحم ، فإن الوالد محجوب عما يعلمه تعالى إذ لا يرى إلا عاجل مصالحه وظاهرها ، وهو العالم بالغيب والشهادة ، فيعلم ما فيه صلاحه عاجلاً وآجلاً ، راضياً بفعله ، راجياً إعادة أحسن ما نزع منها إليه ، إذ القانط من رحمته بعيد منه ، لا يستوسع رحمته لضيق وعائه ، محجوب عن ربوبيته ، لا يرى عموم فيض رحمته ودوامَه . ثم إذا أعادها لم يفرح بوجودها ، كما لم يحزن بفقدانها ، ولا يفخر بها على الناس ، فإن ذلك من الجهل ، وظهور النفس . وإلا لعلم أن ذلك ليس منه وله ، وبأي سبب يسوغ له فخر بما ليس له ومنه ؟ بل لله ، ومن الله . وقوله تعالى : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } استثناء من ( الإنسان ) أي : هذا النوع يؤوس كفور ، فرح فخور في الحالين ، إلا الذين صبروا مع الله ، واقفين معه ، في حالة الضراء والنعماء والشدة والرخاء ، كما قال عمر رضي الله عنه : الفقر والغنى مطيتان ، لا أبالي أيهما أمتطي . انتهى .