Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 12-12)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ } أي : بتلاوته عليهم ، وتبليغه إليهم ، { أَن يَقُولُواْ } أي : مخافة أن يقولوا ، تعامياً عن تلك البراهين التي لا تكاد تخفي صحتها على أحد ممن له أدنى بصيرة ، وتمادياً في العناد على وجه الاقتراح { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ } أي : هلاّ أنزل عليه ما اقترحنا من الكنز والملائكة ، زعماً أن الرسول متبوع ، لا بد له من الإنفاق على أتباعه ، ولا يتأتى مع عدم سلطنته إلا بإلقاء الكنز عليه ، أو مجيء ملَك معه يصدق برسالته ، فقال تعالى : { إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ } أي : ليس عليك إلا الإنذار بما أوحي إليك ، غير مبال بما صدر منهم من الاقتراح { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } أي : فيحفظ ما يقولون ويجازيهم عليه ، فَكِلْ أمرك إليه ، وبلغ وحيه بقلب منشرح ، غير مبال بهم . لطائف الأولى : قال القاشانيّ : لما لم يقبلوا كلامه صلى الله عليه وسلم بالإرادة ، وأنكروا قوله بالاقتراحات الفاسدة ، وقابلوه بالعناد والاستهزاء ، ضاق صدره ، ولم ينبسط للكلام ، إذ الإرادة تجذب الكلام ، وقبولُ المستمع يزيد نشاط المتكلم ، ويوجب بسطه فيه ، وإذا لم يجد المتكلم محلا قابلاً لم يتسهل له ، وبقي كرباً عنده ، فشجعه الله تعالى بذلك ، وهيّج قوته ونشاطه بقوله : { إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ } ، فلا يخلو إنذارك من إحدى الفائدتين : إما رفع الحجاب أن ينجع فيمن وفقه الله تعالى لذلك ، وإما إلزام الحجة لمن لم يوفق لذلك ، ثم كل الهداية إليه . الثانية : لا يخفى أن ( لعل ) للترجي ، وهو وإن اقتضى التوقع ، إلا أنه لا يلزم من توقع الشيء وقوعه ، ولا ترجح وقوعه ، لوجود ما يمنع منه . وتوقع ما لا يقع منه ، المقصود تحريضه على تركه ، وتهييج داعيته . وقيل : ( لعل ) هنا للتبعيد لا للترجي ، فإنها تستعمل كذلك ، كما تقول العرب : لعلك تفعل كذا ، لمن لا يقدر عليه . فالمعنى لا تترك . وقيل : إنها للاستفهام الإنكاريّ كما في الحديث : لعلنا أعجلناك . وقيل : هي لتوقع الكفار ، فكما تكون لتوقع المتكلم ، وهو الأصل ، لأن معاني الإنشآت قائمة به - تكون لتوقع المخاطب أو غيره ، ممن له ملابسة بمعناه كما هنا ، فالمعنى : إنك بلغ الجهد في تبليغهم أنهم يتوقعون منك ترك التبليغ لبعضه - كذا في العناية . الثالثة : إنما عدل عن ( ضيّق ) الصفة المشبهة إلى ( ضائق ) اسم الفاعل ، ليدل على أنه ضيق عارض ، غير ثابت ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفسح الناس صدراً . وكذا كل صفة مشبهة إذا قصد بها الحدوث تحوّل إلى فاعل ، فيقولون في سيد سائد في جواد جائد ، وفي سمين سامن . قال : @ بمنزلة ، أَمَّا اللئيمُ فَسَامِنٌ بها ، وكرامُ الناس بادٍ شحوبُها @@ وظاهر كلام أبي حيّان أنه مقيس ، وقيل إنه لمشابهة ( تارك ) ، ومنه يعلم أن المشاكلة قد تكون حقيقة - كذا في العناية .