Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 108-108)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ } أي : هذه السبيل ، التي هي الدعوة إلى الإيمان والتوحيد ، سبيلي ، أي : طريقي ومسلكي وسنتي . والسبيل والطريق يذكران ويؤنثان . ثم فسر سبيله : بقوله : { أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ } أي : إلى دينه وتوحيده ، ومعرفته بصفات كماله ، ونعوت جلاله { عَلَىٰ بَصِيرَةٍ } أي : مع حجة واضحة ، غير عمياء . { أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي } أي : آمن بي ، يدعون إلى الله أيضاً على بصيرة ، لا على هوى . { وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ } أي : وأنزهه وأجله وأقدسه عن أن يكون له شريك أو ندّ أو كفء أو ولد أو صاحبة ، تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً ، { وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } أي : على دينهم . تنبيهات الأول : قال السمين : { أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ } يجوز أن يكون مستأنفا ، وهو الظاهر ، وأن يكون حالا من الياء . و { عَلَىٰ بَصِيرَةٍ } حال من فاعل { أَدْعُو } أي : أدعو كائناً على بصيرة ، وقوله : { وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي } عطف على فاعل { أَدْعُو } ، ولذلك أكد بالضمير المنفصل . ويجوز أن يكون مبتدأ ، والخبر محذوف . أي : ومن اتبعني يدعو أيضاً ، ويجوز أن يكون { عَلَىٰ بَصِيرَةٍ } خبراً مقدما ، و { أَنَاْ } مبتدأ مؤخراً ، و { وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي } عطف عليه ومفعول { أَدْعُو } إما منويّ ، أي : الناس ، أو منسيّ . الثاني : دل قوله تعالى : { عَلَىٰ بَصِيرَةٍ } على مزية هذا الدين الحنيف ، ونهجه الذي انفرد به ، وهو أنه لم يطلب التسليم به لمجرد أنه جاء بحكايته ، ولكنه ادعى وبرهن وحكى مذاهب المخالفين ، وكرّ عليها بالحجة ، وخاطب العقل ، واستنهض الفكر ، وعرض نظام الأكوان ، وما فيها من الإحكام والإتقان ، على أنظار العقول ، وطالبها بالإمعان فيها لتصل بذلك إلى اليقين بصحة ما ادعاه ودعا إليه - انظر : ( رسالة التوحيد ) في تتمة ذلك . الثالث : دلت الآية على أن سيرة أتباعه صلى الله عليه وسلم ، الدعوة إلى الله . قال الرازي : كل من ذكر الحجة ، وأجاب عن الشبهة ، فقد دعا بمقدار وسعه إلى الله وهذا يدل على أن الدعاء إلى الله تعالى إنما يحسن ويجوز مع هذا الشرط : وهو أن يكون على بصيرة مما يقول ، وعلى هدى ويقين ، فإن لم يكن كذلك ، فهو محض الغرور . انتهى . ولا يخفى أن الدعوة إلى الله إنما هي بنشر مطالب الدين ، وإذاعة آدابه وتعاليمه . قال بعضهم : ينبغي للعالم أن يكون حديثه مع العامة ، في حال مخالطته ومجالسته لهم في بيان الواجبات والمحرمات ، ونوافل الطاعات ، وذكر الثواب والعقاب ، على الإحسان والإساءة . ويكون كلامه معهم بعبارة قريبة واضحة يعرفونها ويفهمونها ، ويزيد بياناً للأمور التي يعلم أنهم ملابسون لها ولا يسكت حتى يسأل عن شيء من العلم ، وهو يعلم أنهم محتاجون إليه ، ومضطرون له ، فإن علمه بذلك سؤال منهم بلسان الحال ، والعامة قد غلب عليهم التساهل بأمر الدين ، علماً وعملا ، فلا ينبغي للعلماء أن يساعدوهم على ذلك بالسكوت عن تعليمهم وإرشادهم ، فيعم الهلاك ويعظم البلاء . وقلما تختبر عاميّاً - وأكثر الناس عامة - إلا وجدته جاهلا بالواجبات والمحرمات ، وبأمور الدين التي لا يجوز ولا يسوغ الجهل بشيء منها ، وإن لم يوجد جاهلا بالكل وجد جاهلا بالبعض ، وإن علم شيئاً من ذلك وجدت علمه به علماً مسموعاً من ألسنة الناس ، لو أردت أن تقلبه له جهلا فعلت ذلك بأيسر مؤونة ، لعدم الأصل والصحة فيما يعلمه . وعلى الجملة ، فيتأكد على العلماء أن يجالسوا الناس بالعلم ، ويحدثوهم به ، ويبثوه لهم ، ويكون كلام العالم معهم في بيان الأمر الذي جاؤوا من أجله . مثل ما إذا جاؤوا لعقد نكاح ، يكون كلامه معهم فيما يتعلق بحقوق النساء من الصداق والنفقة والمعاشرة بالمعروف . أو لعقد بيع ، يكون كلامه في صحيح البيوع وآدابها ، وفوائد التجارة النافعة واجتناب الغش والخداع وهكذا . ولا ينبغي للعالم أن يخوض مع الخائضين ، ولا أن يصرف شيئاً من أوقاته في غير إقامة الدين ، وبالسكوت عن التذكير والتعليم ، يغلب الفساد ، ويعم الضرر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .