Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 110-110)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ } أي : من إجابة قومهم ، { وَظَنُّوۤاْ } أي : علموا وتيقنوا . يعني : الرسل ، { أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا } يقرأ " كُذِّبوا " بضم الكاف وتشديد الذال . أي : كذبهم قومهم بما جاؤوا به ، لطول البلاء عليهم . ويقرأ بضم الكاف وتخفيف الذال . فالضمير في { ظَنُّوۤاْ } - على ما اختاروه - للقوم . أي : ظنوا أن الرسل قد كذبوا . أي : ما وعدوا به من النصر . وروي عن ابن عباس أن الضمير للرسل . أي : وظنوا حين ضعفوا وغلبوا أنهم قد أخلفوا ما وعدهم الله من النصر ، وقال : كانوا بشراً ، وتلا قوله تعالى : { حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ } [ البقرة : 214 ] ، وقد استشكلوه على ابن عباس ، وتأولوا لكلامه وجوهاً : قال الزمخشري : أراد بالظن ما يخطر بالبال ، ويهجس في القلب ، من شبه الوسوسة ، وحديث النفس ، على ما عليه البشرية . انتهى . وقيل : المراد بظنهم عليهم السلام ذلك ، المبالغة في التراخي والإمهال ، على طريق الاستعارة التمثيلية ، بأن شبه المبالغة في التراخي بظن الكذب ، باعتبار استلزام كل منهما لعدم ترتب المطلوب ، فاستعمل ما لأحدهما للآخر . وقال الخطابي : لا شك أن ابن عباس لا يجيز على الرسل أنها تُكْذَبُ بالوحي ، ولا تشك في صدق المخبر ، فيحمل كلامه على أنه أراد أنهم ، لطول البلاء عليهم ، وإبطاء النصر ، وشدة استنجاز ما وعدوا به - توهموا أن الذي جاءهم من الوحي كان حسباناً من أنفسهم وظنوا عليها الغلط في تلقي ما ورد عليهم من ذلك ، فيكون الذي بني له الفعل أنفسهم ، لا الآتي بالوحي . والمراد بـ ( الكذب ) : الغلط ، لا حقيقة الكذب . كما يقول القائل : كذبتك نفسك . قال الحافظ ابن حجر : ويؤيده قراءة مجاهد { وظنوا أنهم قد كَذِبوا } بفتح أوله مع التخفيف أي : غلطوا . ويكون فاعل { وَظَنُّوۤاْ } الرسل . وقال أبو نصر القشيريّ : ولا يبعد أن المراد خطر بقلب الرسل ، فصرفوه عن أنفسهم ، أو المعنى : قربوا من الظن ، كما يقال : بلغت المنزل ، إذا قربت منه . وقال الترمذيّ الحكيم : وجهه : أن الرسل كانت تخاف بعد أن وعدهم الله النصر ، أن يتخلف النصر ، لا من تهمة بوعد الله ، بل لتهمة النفوس أن تكون قد أحدثت حدثا ينقض ذلك الشرط ، فكان الأمر إذا طال ، واشتد البلاء عليهم ، دخلهم الظن من هذه الجهة . وحكى الواحدي عن ابن الأنباريّ أنه قال : ما روي عن ابن عباس غير معول عليه ، وأنه ليس من كلامه ، بل تُؤُوّل عليه . قال ابن حجر : وعجب لابن الأنباريّ في جزمه بأنه لا يصح ، ثم للزمخشريّ في توقفه عن صحة ذلك عن ابن عباس ، فإنه صح عنه ، أي : فرواه البخاري في تفسير البقرة بلفظ : ذَهَبَ بها هناك ، وأشار إلى السماء ، وزاد الإسماعيلي عنه : كانوا بشراً ضعفوا وأيسوا وظنوا أنهم قد كذبوا . وروى البخاري أن عائشة كانت تقرأ " كذّبوا " مشدودة ، وتتأوّلها على المعنى الأول ، وأن عروة قال لها : لعلها { كُذِبُوا } مخففة ، فقالت : معاذ الله . قال الحافظ ابن حجر : وهذا ظاهر في أنها أنكرت القراءة بالتخفيف ، ولعلها لم تبلغها ممن يرجع إليه في ذلك ، وقد قرأها بالتخفيف أئمة الكوفة من القرّاء : عاصم ويحيى ابن وثاب والأعمش وحمزة والكسائيّ . ووافقهم من الحجازيين أبو جعفر بن القعقاع ، وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس وأبي عبد الرحمن السلميّ والحسن البصريّ ومحمد بن كعب القرظيّ في آخرين . وقوله تعالى : { فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ } وهم الرسل والمؤمنون بهم . وقريء ( فننجي ) بالتخفيف والتشديد . وقريء ( فنجا ) . { وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا } أي : عذابنا : { عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ } أي : إذا نزل بهم . وفيه بيان من شاء الله نجاتهم ، لأنه يعلم من المقابلة أنهم من ليسوا بمجرمين ، وهم من تقدم .