Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 18-18)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ } بيان لما تآمروا عليه من المكيدة ، وهو أنهم أخذوا قميصه الموشى ، وغمسوه في دم معز كانوا ذبحوه . و { كَذِبٍ } مصدر بتقدير مضاف ، أي : ذي كذب . أو وصف به مبالغة ، كرجل عدل . و { عَلَىٰ } ظرف لـ { جَآءُوا } مشعر بتضمنه معنى ( افتروا ) . وقوله : { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً } أي : من تغيب يوسف ، وتفريقه عني ، والاعتذار الكاذب . قال الناصر : وقواه على اتهامهم ، أنهم ادعوا الوجه الخاص الذي خاف يعقوب ، عليه السلام ، هلاكه بسببه أولاً ، وهو أكل الذئب ، فاتهمهم أن يكونوا تلقفوا العذر من قوله لهم : { وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ } [ يوسف : 13 ] ، وكثيراً ما تتفق الأعذار الباطلة ، من قلق في المخاطب المعتذر إليه ، حتى كان بعض أمراء المؤمنين يلقنون السارق الإنكار . انتهى . وفي ( الإكليل ) : استنبط ، من هذا الحكم بالأمارات ، والنظر إلى التهمة ، حيث قال : { بَلْ سَوَّلَتْ } … الآية . لطائف قال المهايمي : في الآية من الفوائد أن الجاه يدعو إلى الحسد ، كالمال ، وهو يمنع من المحبة الأصلية من القرابة ونحوها ، بل يجعل عداوتهم أشد من عداوة الأجانب ، وأن الحسد يدعو إلى المكر بالمحسود ، وبمن يراعيه ، وأنه إنما يكون برؤية الماكر نفسه أكمل عقلاً من الممكور . وأن الحاسد إذا ادعى النصح والحفظ والمحبة ، بل أظهره فعلاً ، لم يعتمد عليه . وكذا من أظهر الأمانة قولاً وفعلاً يفعل الخيانة ، وأن الإذلال والإعزاز بيد الله ، لا الخلق ، وأن من طلب مراده بمعصية الله بعد عنه . وأن الخوف من الخلق يورث البلاء ، وأن الإنسان ، وإن كان نبياً ، يخلق أولاً على طبع البشرية . وأن اتباع الشهوات يورث الحزن الطويل . وأن القدر كائن ، وأن الحذر لا يغني من القدر . قيل للهدهد : كيف ترى الماء تحت الأرض ، ولا ترى الشبكة فوقها ؟ قال : إذا جاء القضاء عمي البصر . و ( التسويل ) تزيين النفس للمرء ما يحرص عليه ، وتصوير القبيح بصورة الحسن . { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } { صَبْرٌ } خبر أو مبتدأ ، لكونه موصوفاً ، أي : فشأني صبر جميل . أو فصبر جميل أجمل . والصبر قوة للنفس على احتمال الآلام كالمصائب إذا عرضت ، والجميل منه هو ما لا شكوى فيه إلى الخلق ولا جزع ، رضا بقضاء الله ، ووقوفاً مع مقتضى العبودية . { وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ } أي : المطلوب منه العون على احتمال ما تصفون من هلاك يوسف - كذا قدروه - وحقق أبو السعود ؛ أن المعنى على إظهار حال ما تصفون ، وبيان كونه كذبا ، وإظهار سلامته ، فإنه علم في الكذب . قال سبحانه : { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ } [ الصافات : 180 ] وهو الأليق بما سيجيء من قوله تعالى : { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً } [ يوسف : 83 ] وتفسير المستعان عليه باحتمال ما يصفون من هلاك يوسف ، والصبر على الرزء فيه - يأباه تكذبيه عليه السلام لهم في ذلك ، ولا يساعده الصيغة ، فإنها قد غلبت في وصف الشيء بما ليس فيه ، كما أشير إليه . انتهى . وفي قوله : { وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ } اعتراف بأن تلبسه بالصبر لا يكون إلا بمعونته تعالى . قال الرازي : لأن الدواعي النفسانية تدعوه إلى إظهار الجزع ، وهي قوية . والدواعي الروحانية تدعوه إلى الصبر والرضا . فكأنهما في تحارب وتجالد . فما لم تحصل إعانته تعالى ، لم تحصل الغلبة . فقوله : { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } يجري مجرى قوله : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } [ الفاتحة : 5 ] وقوله : { وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ } يجري مجرى قوله : { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [ الفاتحة : 5 ] . انتهى . ثم ذكر تعالى ما جرى على يوسف في الجب ، بعد ما تقدم ، بقوله : { وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ … } .