Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 23-23)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } هذا رجوع إلى شرح ما جرى على يوسف في منزل العزيز بعد ما أمر امرأته بإكرام مثواه ، من مراودتها له وإبائه . والمراودة : المطالبة . أي : طلبت منه أن يواقعها . وتعديتها بـ { عَن } لتضمينها معنى المخادعة والعدول عن التصريح باسمها للمحافظة على السر والستر . وإيراد الموصول دون امرأة العزيز لتقرير المراودة ، فإن كونه في بيتها مما يدعو إلى ذلك ، قيل لامرأة : ما حملك على ما لا خير فيه ؟ قالت : قرب الوساد ، وطول السواد . ولإظهار كمال نزاهته عليه السلام - كما سيأتي . و { هَيْتَ } قرئت كـ ( لَيْتَ وقِيلَ وحَيْثُ ) ، وبكسر الهاء وبهمزة ساكنة بعدها ، وفتح التاء وضمها . وهي في هذه اللغات اسم فعل بمعنى ( تعال ) . واللام لتبيين المفعول أي : المخاطب . ونقل عن الفراء أنها لغة لأهل حوران سقطت إلى مكة فتكلموا بها . قال ابن الأنباري : هذا وفاق بين لغة قريش وأهل حوران ، كما اتفقت لغة العرب والروم في ( القسطاس ) ونحوه . و : { مَعَاذَ ٱللَّهِ } منصوب على المصدر . أي : أعوذ بالله معاذاً مما تدعينني إليه ، لكونه زنى وخيانة فيما اؤتمنت عليه ، وضرّا لمن توقع النفع ، وإساءة إلى المحسن . قال أبو السعود : وهذا اجتناب منه على أتم الوجوه ، وإشارة إلى التعليل بأنه منكر هائل ، يجب أن يعاذ بالله تعالى للخلاص منه ، وما ذاك إلا لأنه عليه السلام قد شاهده بما أراه الله تعالى من البرهان النير على ما هو عليه في حد ذاته من غاية القبح ، ونهاية السوء . وقوله : { إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ } تعليل للامتناع ببعض الأسباب الخارجية ، مما عسى أن يكون مؤثراً عندها ، وداعياً لها إلى اعتباره بعد التنبيه على سببه الذاتي الذي تكاد تقبله لما سولته لها نفسها . والضمير للشأن ، وفائدة تصدير الجملة به الإيذان بفحامة مضمونها ، مع ما فيه من زيادة تقريره في الذهن ، فإن الضمير لا يفهم منه من أول الأمر إلا شأن مبهم له خطر فيبقى الذهن مترقبا لما يعقبه ، فيتمكن عند وروده له فضل تمكن . فكأنه قيل : إن الشأن الخطير هذا ، وهو ربي ، أي : سيدي العزيز ، أحسن مثواي ، أي : تعهدي ، حيث أمرك بإكرامي ، فكيف يمكن أن أسيء إليه بالخيانة في حرمه ؟ وفيه إرشاد لها إلى رعاية حق العزيز بألطف وجه . وقيل : الضمير لله عز وجل ، و : { رَبِّيۤ } خبر ( إِن ) ، و { أَحْسَنَ مَثْوَايَ } خبر ثان . أو هو الخبر والأول بدل من الضمير . والمعنى : أن الحال هكذا ، فكيف أعصيه بارتكاب تلك الفاحشة الكبيرة ؟ وفيه تحذير لها من عقاب الله عز وجل . وعلى التقديرين ، ففي الاقتصار على ذكر هذه الحالة من غير تعرض للامتناع عما دعته إليه ، إيذان بأن هذه المرتبة من البيان كافية في الدلالة على استحالته ، وكونه مما لا يدخل تحت الوقوع أصلاً . وقوله تعالى : { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } تعليل للامتناع المذكور ، غِبَّ تعليل . و ( الفلاح ) الظفر ، أو البقاء في الخير . ومعنى ( أفلح ) دخل فيه ، كأصبح وأخواته . والمراد بـ ( الظالمين ) كل من ظلم ، كائناً من كان ، فيدخل في ذلك المجازون للإحسان بالإساءة ، والعصاة لأمر الله تعالى ، دخولاً أوليّاً . وقيل : الزناة ، لأنهم ظالمون لأنفسهم ، وللمزني بأهله . انتهى . وقال بعض اليمانيين : ثمرات هذه الآية ثلاث : الأولى : أن الواجب عند الدعاء إلى المعصية الاستعاذة بالله من ذلك ، ليعصمه منها ، ويدخل فيه دعاء الشيطان ، ودعاء شياطين الإنس ، ودعاء هوى النفس . الثانية : أن السيد والمالك يسمى ( رَبّاً ) . الثالثة : أنه يجوز ترك القبيح لقبحه ، ورعاية حق غيره ، وخشية العار ، أو الفقر ، أو الخوف ، ونحو ذلك . ولا يقال : التشريك غير مفيد في كونه تاركاً للقبيح ، وأنه لا يثاب . وتدل أيضاً على لزوم حسن المكافأة بالجميل ، وأن من أخل بالمكافأة عليه ، كان ظالماً . انتهى .