Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 54-54)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي } أي : أخصه بها ، دون العزيز ، جرياً على عادة الملوك من الاستئثار بالنفيس العزيز . قال ذلك لما تحقق براءته مما نسب إليه ، وكرم نفسه ، وسعة علمه : { فَلَمَّا كَلَّمَهُ } أي : فلما أتوا به ، وكلمه ، أي : خاطبه الملك وعرفه ، وشاهد فضله وحكمته وبراعته - وجوّز أن يكون فاعل { كَلَّمَهُ } يوسف عليه السلام - { قَالَ إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ } أي : ذو مكانة ومنزلة { أَمِينٌ } أي : مؤتمن على كل شيء . روي أن يوسف عليه السلام لما حضر الملك ، وعبّر له رؤياه ، ابتهج بحديثه هو وخاصته ، وقال لهم : هل نجد مثله رجلاً مهبطاً للإمداد الرباني ؟ وقال ليوسف : بعد أن عرفك الله هذا فلا يكون حكيم مثلك ، وأنت على بيتي ، وإلى كلمتك تنقاد رعيتي ، ولا أكون أعظم منك إلا بعرشي ، وقد أقمتك على جميع أرض مصر . ونزع خاتمه من يده ، ووضعه في إصبعه ، وألبسه ثياب بز ، وجعل طوقاً من ذهب في عنقه ، وأركبه مركبته ، وأمر أن يطاف به في شوارع مصر ، وينادي أمامه بالخضوع له . وقال له الملك : لا يمضي أمر ، ولا ينفذ شأن في مصر إلا برأيك ومشورتك ، وسماه مخلص العالم ، وزوجه بنت أحد العظماء لديه . وكان يوسف وقتئذ ابن ثلاثين سنة - والله أعلم . قال بعضهم : إن من أمعن النظر في قصة يوسف عليه السلام ، علم يقيناً أن التقي الأمين لا يضيع الله سعيه ، بل يحسن عاقبته ، ويعلي منزلته في الدنيا والآخرة ، وأن المعتصم بالصبر لا يخشى حدثان الدهر وتجاربه ، ولا يخاف صروفه ونوائبه ، فإن الله يعضده وينجح مسعاه ويخلد ذكره العاطر على ممر الأدهار ، فإن يوسف عليه السلام لما لم يخش للنوائب وعيداً ، ولا للتجارب تهديداً ، ولم يخف للسجن ظلماً وشرا ، ولا للتنكيل به ألما وضرا ، بل ألقى توكله على الرب ، وصبر إزاء تلك البلية ثابت القلب - نال بطهارته وتقواه تاج الفخر ، ولسان الصدق طول أيام الدهر ، وها إن فضيلته لم يعف جميل ذكراها مرور الأيام ، ولم يعبث بنضارتها كرور الأعوام ، بل ادخرت لنا مثالا نقتفي أثره عند طروء التجارب ، وملاذا نعوذ به في المحن والمصائب ، ومقتدى نتدرب به على التثبت في مواقف العثار ، وننهج منهاجه في التقوى وطيب الإزار ، فننال في الدنيا سمة المجد ، ونفوز في الآخرة بدار الخلد .