Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 55-55)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالَ } أي : يوسف للملك : { ٱجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلأَرْضِ } أي : ولني خزائن أرضك . يعني جميع الغلات لما يستقبلونه من السنين التي أخبرهم بشأنها ، فيتصرف لهم على الوجه الأرشد والأصلح . ثم بين اقتداره في ذلك فقال : { إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } أي : أمين أحفظ ما تستحفظنيه ، عالم بوجوه التصرف فيه . قال الزمخشري : وصف نفسه بالأمانة والكفاية اللتين هم طلبة الملوك ممن يولونه . وإنما قال ذلك ليتوصل إلى إمضاء أحكام الله تعالى ، وإقامة الحق ، وبسط العدل ، والتمكن مما لأجله تبعث الأنبياء إلى العباد ، ولعلمه أن أحداً غيره لا يقوم مقامه في ذلك ، فطلب التولية ابتغاء وجه الله لا لحب الملك والدنيا . فإن قلت : كيف جاز أن يتولى عملا من يد كافر ، ويكون تبعاً له ، وتحت أمره وطاعته ؟ قلت : روى مجاهد أنه كان قد أسلم . وعن قتادة هو دليل على أنه يجوز أن يتولى الإنسان عملا من يد سلطان جائر . وقد كان السلف يتولون القضاء من جهة البغاة ويرونه . وإذا علم النبي أو العالم أنه لا سبيل إلى الحكم بأمر الله ودفع الظلم إلا بتمكن الملك الكافر أو الفاسق ، فله أن يستظهر به . وقيل : كان الملك يصدر عن رأيه ، ولا يعترض عليه في كل ما رأى ، فكان في حكم التابع له والمطيع . انتهى . وهذه الآية أصل في طلب الولاية كالقضاء ونحوه ، لمن وثق من نفسه بالقيام بحقوقه ، وجواز التولية عن الكافر والظالم . وأصل في جواز مدح الإنسان نفسه لمصلحته ، وفي أن المتولي أمرا ، شرطه أن يكون عالما به ، خبيرا ، ذكي الفطنة - كذا في ( الإكليل ) . قال أبو السعود : وإنما لم يذكر إجابة الملك إلى ما سأله ، عليه السلام ، من جعله على خزائن الأرض ، إيذانا بأن ذلك أمر لا مرد له ، غني عن التصريح ، ولا سيما بعد تقديم ما يندرج تحته من أحكام السلطنة بحذافيرها ، من قوله : { إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ } [ يوسف : 54 ] ، وللتنبيه على أن كل ذلك من الله عز وجل ، وإنما الملك آلة في ذلك . تنبيه قال ابن كثير : خزائن الأرض هي الأهرام التي يجمع فيها الغلات … إلخ . ولم أر الآن مستنده في كون الأهرام كانت مجمع الغلات ، ولم أقف عليه في كلام غيره . و ( الأهرام ) بفتح الهمزة ، جمع هرم بفتحتين ، وهي مبان مربعة الدوائر ، مخروطية الشكل ، بقي منها الآن ثلاثة في الجيزة ، بعيدة أميالاً عن القاهرة ، معدودة من غرائب الدنيا . دعيت لرؤياها أيام رحلتي للديار المصرية عام 1321هـ . وقد استقر رأي المتأخرين في تحقيق شأنها على أنها كانت مدافن لملوكهم . ففي كتاب ( الأثر الجليل لقدماء وادي النيل ) : جميع الأهرام ليست إلا مقابر ملوكية آثر أصحابها أن يتميزوا بها بعد موتهم عن سائر الناس ، كما تميزوا عنهم مدة حياتهم ، وتوخوا أن يبقى ذكرهم بسببها على تطاول الدهور ، وتراخي العصور . وقد أجمع مؤرخو هذا العصر على أن الهرم الأكبر قبر للملك ( خوفو ) والثاني للملك ( خفرع ) ، والثالث للملك ( منقرع ) وجميعهم من العائلة المنفيسية . ولا عبرة بقول من زعم أنها معابد أو مراصد للكواكب ، أو مدرسة للمعارف الكهنوتية ، أو غير ذلك . انتهى .