Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 3-3)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ } أي : بسطها وجعلها متسعة ممتدة في الطول والعرض لإخراج النعم الكثيرة منها . قال الشهاب : استدل به بعضهم على تسطيح الأرض وأنها غير كرية بالفعل . وأن من أثبته أراد به أنه مقتضى طبعها ! ورد بأنه ثبت كريتها بأدلة عقلية ، لكنه لعظم جرمها يشاهد كل قطعة وقطر منها كأنه مسطح ! وهكذا كل دائرة عظيمة . ولا يعلم كريتها إلا هو تعالى ! { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ } أي : جبالاً ثوابت أوتاداً لها يكثر فيها النبات وتنحفظ تحتها المياه : { وَأَنْهَاراً } متفجرة منها ، وذلك لتكثير النبات والأشجار وحفظ الحيوان { وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } أي : صنفين اثنين كالحلو والحامض ، والأسود والأبيض ، والصغير والكبير ، والبستاني والجبلي . قال المهايمي : ليفيد كل صنف فائدة غير فائدة الآخر ، فكان كل صنف نعمة بعد الإنعام بأصول الأصناف ، وجعل لإتمام الإنعام بالأصناف المختلفة الطبائع لئلا تجتمع فتضار متناولها فصولاً مختلفة ، إذ : { يُغْشِى ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ } أي : يلبسه مكانه فيصير أسود مظلماً بعد ما كان أبيض منيراً ! فبطول الليل يحصل الشتاء ، وبطول النهار يحصل الصيف ، وبأحد الاعتدالين يحصل الخريف ، وبالآخر الربيع { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } أي : في مد الأرض وما بعده { لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } أي : لآيات باهرة لقوم يتفكرون فيستدلون بأن تكوين ما ذكر على هذا النمط البديع ، لابد له من قادر حكيم ! أو يتفكرون فيعلمون أن تكثير النعم لجلب محبة المنعم بصرفها إلى ما خلقت من أجله . والمحبة موجبة للرجوع إليه . وفيه إشارة إلى أن من دبر ذلك لمعايشهم ، أفلا ينعم عليهم بإرسال رسل وإنزال كتب ترشدهم إلى ما فيه سعادتهم ؟ بلى ، وهو أحكم الحاكمين … ! لطائف الأولى : قال الرازي : من الاستدلال بأحوال الجبال ، أن بسببها تتولد الأنهار على وجه الأرض . وذلك أن الحجر جسم صلب . فإذا تصاعدت الأبخرة من قعر الأرض ووصلت إلى الجبل احتبست هناك فلا تزال تتكامل فيحصل تحت الجبل مياه عظيمة . ثم إنها لكثرتها وقوتها تثقب وتخرج وتسيل على وجه الأرض . فمنفعة الجبال في تولد الأنهار هو من هذا الوجه ، ولهذا السبب . ففي أكثر الأمر أينما ذكر الله الجبال ، قرن بها ذكر الأنهار . مثل ما في هذه الآية ، ومثل قوله : { وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّآءً فُرَاتاً } [ المرسلات : 27 ] . الثانية : أشار الرازي إلى أن الناس ، كما ابتدأوا من زوجين اثنين بالشخص ، هما آدم وحواء ، فكذا الأشجار والزروع خلقت أولا من زوجين اثنين ثم كثرت ، والله أعلم . الثالثة : في قوله : { يُغْشِى ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ } استعارة تبعية تمثيلية مبنية على تشبيه إزالة نور الجو بالظلمة ، بتغطية الأشياء الظاهرة بالأغطية ، أي : يستر النهار بالليل . والتركيب وإن احتمل العكس أيضاً - بالحمل على تقديم المفعول الثاني على الأول - فإن ضوء النهار أيضاً ساتر لظلمة الليل ، إلا أن الأنسب بالليل أن يكون هو الغاشي . وعد هذا في تضاعيف الآيات السفلية ، وإن كان تعلقه بالآيات العلوية ظاهراً - باعتبار أن ظهوره في الأرض - فإن الليل إنما هو ظلها . وفيما فوق موقع ظلها لا ليل أصلاً ، ولأن الليل والنهار لهما تعلق بالثمرات من حيث العقد والإنضاج ، على أنهما أيضاً زوجان متقابلان مثلها . وقرئ " يُغَشِّّي " من التغشية - أفاده أبو السعود . ثم بين تعالى طائفة من الآيات بقوله : { وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ … } .