Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 2-2)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى عن كمال قدرته وعظيم سلطانه أنه الذي بقدرته رفع السماوات ، أي : خلقهن مرتفعات عن الأرض ارتفاعاً لا ينال ولا يدرك مداه ! وقوله تعالى : { بِغَيْرِ عَمَدٍ } أي : أساطين . جمع عماد أو عمود . وقوله تعالى : { تَرَوْنَهَا } إما استئناف للاستشهاد برؤيتهم السماوات كذلك ، كقول الشاعر : @ أنا بلا سيف ولا رمحٍ تراني @@ أو صفة لـ { عَمَدٍ } جيء بها إبهاماً لأن لها عمداً غير مرئية ، وإليه ذهب كثير من السلف ؛ ورجح ابن كثير الأول وأنها لا عمد لها ، قال : وهذا هو اللائق بالسياق والظاهر من قوله تعالى : { وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [ الحج : 65 ] والأكمل أيضاً في القدرة ! وقوله تعالى : { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } تقدم تفسيره في سورة الأعراف ، وأنه يمر كما جاء من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل . وقوله تعالى : { وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } أي : ذللهما لما أراد منهما من نفع العالم السفلي . وقوله تعالى : { كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى } أي : لغاية معينة ينقطع دونها سيره ، وهو قيام الساعة ، كقوله تعالى : { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا } [ يس : 38 ] وقد بين ذلك في قوله تعالى : { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } [ التكوير : 1 ] { وَإِذَا ٱلْكَوَاكِبُ ٱنتَثَرَتْ } [ الانفطار : 2 ] والاقتصار على الشمس والقمر ، لأنهما أظهر الكواكب وأعظم من غيرهما . فتسخير غيرهما يكون بطريق الأولى . وقد جاء التصريح بتسخيرهما مع غيرهما في قوله تعالى : { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } [ الأعراف : 54 ] . وقوله تعالى : { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ } أي : أمر العالم العلوي والسفلي ويصرفه ويقضيه بمشيئته وحكمته على أكمل الأحوال . لا يشغله شأن عن شأن . وقوله تعالى : { يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } يعني : الآيات الدالة على وحدته وقدرته ونعوته الجليلة . أي : يبينها في كتبه المنزلة . وقوله تعالى : { لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } أي : لعلكم توقنون وتصدقون بأن هذا المدبر والمفصل ، لا بد لكم من المصير إليه ، بالبعث بعد الموت للجزاء . فإن من تدبر حق التدبر ، أيقن أن من قدر على إبداع ما ذكر من الآيات العلوية ، قادر على الإعادة والجزاء ! لطائف الأولى : جُوِّزُ في قوله تعالى : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } أن يكون الموصول خبراً ، وأن يكون صفة ، والخبر { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ } ورجح في ( الكشف ) الأول ، بأن قوله الآتي : { وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ } [ الرعد : 3 ] عطف عليه على سبيل التقابل بين العلويات والسفليات . وفي المقابل الخبرية متعينة ، فكذا هذا ليتوافقا . والجملة مقررة لقوله : { وَٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ٱلْحَقُّ } [ الرعد : 1 ] وعدل عن ضمير الرب إلى الجلالة لترشيح التقرير ، كأنه قيل : كيف لا يكون المنزل ممن هذه أفعاله هو الحق ؟ وتعريف الطرفين لإفادة أنه لا مشارك له فيها . لا سيما وقد جعل صلة للموصول . وهذا أشد مناسبة للمقام ، من جعله وصفاً مفيداً لتحقيق كونه مدبراً مفصلاً ، مع التعظيم لشأنهما . والمقصود بالإفادة قوله : { لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } . فالمعنى أنه فعلها كلها لذلك . الثانية : قال القاضي : قوله تعالى : { رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } … إلخ ، دليل على وجود الصانع الحكيم ، فإن ارتفاعها على سائر الأجسام المساوية لها في حقيقة الجرمية ، واختصاصها بما يقتضي ذلك ، لابد وأن يكون بمخصص ليس بجسم ولا جسماني ، يرجح بعض الممكنات على بعض بإرادته ، وعلى هذا المنهاج سائر ما ذكر من الآيات . الثالثة : { يُدَبِّرُ } و : { يُفَصِّلُ } يقرآن بالياء والنون . وهما مستأنفان . أو الأول حال من ضمير { سَخَّرَ } والثاني من ضمير { يُدَبِّرُ } . أو كلاهما من ضمائر الأفعال المذكورة . ولما قرر الشواهد العلوية أرْدَفَها بذكر الدلائل السفلية على قدرته وحكمته . فقال تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ … } .