Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 4-4)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ } أي : ليفقهوا عنه ما يدعوهم إليه فلا يكون لهم حجة على الله ، ولا يقولوا : لم نفهم ما خوطبنا به كما قال : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ } [ فصلت : 44 ] فإن قلت : لم يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العرب وحدهم وإنما بعث إلى الناس جميعاً { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً } [ الأعراف : 158 ] بل إلى الثقلين وهم على ألسنة مختلفة . فإن لم تكن للعرب حجة فلغيرهم الحجة . وإن لم يكن لغيرهم حجة ، فلو نزل بالعجمية لم تكن للعرب حجة أيضاً ؟ قلت : لا يخلو إما أن ينزل بجميع الألسنة أو بواحدٍ منها ، فلا حاجة إلى نزوله بجميع الألسنة ؛ لأن الترجمة تنوب عن ذلك وتكفي التطويل ؛ فبقي أن ينزل بلسان واحد فكان أولى الألسنة لسان قوم الرسول لأنهم أقرب إليه ، فإذا فهموا عنه وتبينوه وتنوقل عنهم وانتشر ، قامت التراجم ببيانه وتفهيمه ، كما ترى الحال وتشاهدها من نيابة التراجم في كل أمة من أمم العجم ، مع ما في ذلك من اتفاق أهل البلاد المتباعدة والأقطار المتنازحة والأمم المختلفة والأجيال المتفاوتة على كتاب واحد ، واجتهادهم في تعلّم لفظه وتعلّم معانيه ، وما يتشعب من ذلك من جلائل الفوائد ، وما يتكاثر في إتعاب النفوس وكدّ القرائح فيه ، من القُرَب والطاعات المفضية إلى جزيل الثواب ؛ ولأنه أبعد من التحريف والتبديل وأسلم من التنازع والاختلاف ، ولأنه لو نزل بألسنة الثقلين كلها مع اختلافها وكثرتها ، وكان مستقلا بصفة الإعجاز في كل واحدٍ منها ، وكلم الرسول العربي كل أمة بلسانها ، كما كلم أمته التي هو منها يتلوه عليهم معجزاً - لكان ذلك أمراً قريباً من الإلجاء . ومعنى : { بِلِسَانِ قَوْمِهِ } بلغة قومه - كذا في ( الكشاف ) . وقال بعض المحققين : يقول قائل : ألا تدل هذه الآية على أن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كانت للعرب خاصة ؟ نقول : لا . لأنه جرت سنة الله أن يختار أمة واحدة ويُعدِها لتهذيب الأمم الأخرى ، . كما يعد فرداً واحداً منها لتهذيب سائر أفرادها . ولما كانت الأمة العربية هي المختارة لتهذيب الأمم وتعديل عوجها وإقامة منار العدل في ذلك العالم المظلم - فقد وجب أن التهذيب الإلهي ينزل بلغتها خاصة حتى تستعد وتتهيأ لأداء وظيفتها . وقد أتم الله نعمته عليها ، فقامت بما عهد إليها بما أدهش العالم أجمع ، ولله في خلقه شؤون ا . هـ . تنبيه استدل بالآية مَنْ ذهب إلى أنّ اللغات اصطلاحية . قال : لأنها لو كانت توقيفية لم تعلم إلا بعد مجيء الرسول ، والآية صريحة في علمها قبله . وقوله تعالى : { فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ } أي : لمباشرته أسبابه المؤدية إليه ، أو يخذله ولا يلطف به لعلمه أنه لا ينجع فيه الإلطاف . { وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } لما فيه من الإنابة والإقبال إلى الحق . و ( الفاء ) فصيحة ، كأنه قيل : فبيّنوه ، فأَضَلَّ الله من شاء إضلاله وهدى من شاء . والحذف للإيذان بأن مسارعة كلّ رسول إلى ما أمر به ، وجريان كل من أهل الخذلان والهداية على سنته ، أمر محقق غني عن الذكر والبيان { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي : فلا يغالب ، ولا يقضي إلاّ بما فيه الحكمة . ثم أشير إلى تفصيل ما أجمل في قوله تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ } بقوله سبحانه : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَآ … } .