Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 9-9)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَلَمْ يَأْتِكُمْ } أي : في مؤاخذة من كفر { نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ } أي : مع كثرتهم { وَعَادٍ } أي : مع غاية قوتهم { وَثَمُودَ } مع كثرة تحصنهم وصنائعهم { وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَٰهِهِمْ وَقَالُوۤاْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ } . قال ابن جرير : هذا من تمام قول موسى لقومه ، يعني : وتذكاره إياهم بأيام الله بانتقامه من الأمم المكذبة بالرسل . قال ابن كثير : وفيما قال ابن جرير نظر ؛ والظاهر أنه خبر مستأنف من الله تعالى لهذه الأمة ؛ فإنه قد قيل : إن قصة عاد وثمود ليست في التوراة ، فلو كان هذا من كلام موسى لقومه لقصّه عليهم ، ولا شك حينئذ أن تكون هاتان القصتان في التوراة والله أعلم . وقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ } جملة من مبتدأ وخبر وقعت اعتراضاً ، أو عطف { ٱلَّذِينَ } على { قَوْمِ نُوحٍ } ، و { لاَ يَعْلَمُهُمْ … } إلخ اعتراض ، ومعنى الاعتراض ، على الثاني : ألم يأتكم أنباء الجمّ الغفير الذي لا يحصى كثرة فتعتبروا بها ؟ إنّ في ذلك لمعتبراً . وعلى الأول : فهو ترق ومعناه : ألم يأتكم نبأ هؤلاء ومن لا يحصى بعدهم ؟ كأنه يقول : دع التفضيل فإنه لا مطمع فيه ، وفيه لطف لإيهام الجمع بين الإجمال والتفصيل . وقوله تعالى : { فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَٰهِهِمْ } يحتمل الأيدي والأفواه أن يكونا الجارحتين المعروفتين ، وأن يكونا من مجاز الكلام . وفي الأول وجوه . أي : ردوا أيديهم في أفواههم فعضوها غيظاً وضجراً مما جاءت به الرسل ، كقوله : { عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ } [ آل عمران : 119 ] . أو وضعوها على أفواههم ضحكاً واستهزاء كمن غلبه الضحك . أو وضعوها على أفواههم مشيرين بذلك إلى الأنبياء : أن يكفّوا ويسكتوا . أو أشاروا بأيديهم إلى أفواه الرسل أن : اسكتوا . و ( في ) بمعنى ( إلى ) . أو وضعوا أيديهم على أفواه الرسل منعاً لهم من الكلام أو أنهم أخذوا أيدي الرسل ووضعوها على أفواههم ليقطعوا كلامهم . ومن باَلَغ في منع غيره من الكلام ، فقد يفعل به ذلك . أو أشاروا بأيديهم إلى جوابهم وهو قولهم : { إِنَّا كَفَرْنَا } أي : هذا جوابنا الذي نقوله بأفواهنا ، والمراد إشارتهم إلى كلامهم كما يقع في كلام المتخاطبين ، أنهم يشيرون إلى أن هذا هو الجواب ثم يقرّرونه ، أو يقررون ثم يشيرون بأيديهم إلى أن هذا هو الجواب . قيل : وهو أقوى الوجوه المتقدمة ؛ لأنهم لما حاولوا الإنكار على الرسل كل الإنكار ، جمعوا في الإنكار بين الفعل والقول ؛ ولذا أتى بالفاء تنبيهاً على أنهم لم يمهلوا ، بل عقبوا دعوتهم بالتكذيب . وفي تصديرهم الجملة بـ ( أن ) ومواجهة الرسل بضمائر الخطاب وإعادة ذلك مبالغة في التأكيد . وفي الثاني - أعني المعنى المجازيّ - وجوه : قال أبو مسلم الأصفهانيّ : المراد باليد ما نطقت به الرسل من الحجج ، وذلك لأن إسماع الحجة إنعام عظيم ، والإنعام يسمى يداً ، يقال لفلان عندي يد إذا أولاه معروفاً ؛ وقد يذكر اليد والمراد منها صفقة البيع والعقد ، كقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } [ الفتح : 10 ] فالبينات التي كان الأنبياء عليهم السلام يذكرونها ويقررونها نِعَمٌ وأيادٍ ، وأيضاً العهود التي كانوا يأتون بها مع القوم أيادٍ ؛ وجمع اليد في العدد القليل هو الأيدي ، وفي العدد الكثير الأيادي . فثبت أن بيانات الأنبياء عليهم السلام وعهودهم صح تسميتها بالأيدي . وإذا كانت النصائح والعهود إنما تظهر من الفم ، فإذا لم تقبل صارت مردودة إلى حيث جاءت ؛ ونظير قوله تعالى : { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ } [ النور : 15 ] ؛ فلما كان القبول تلقياً بالأفواه عن الأفواه كان الدفع ردّا في الأفواه . انتهى . وفي ( الرازيّ ) تتمة الأوجه فانظرها إن شئت . قال في ( العناية ) : فإن قلت : قولهم : { إِنَّا كَفَرْنَا } جزم بالكفر لا سيما وقد أكّد بـ ( إن ) ، فقولهم : { وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ } ينافيه . قلت : أجيب بأن الواو بمعنى أو ، أي : أحد الأمرين لازم وهو : إنا كفرنا جزماً فإن لم نجزم فلا أقل من أن نكون شاكين فيه . وأيّا ما كان ، فلا سبيل إلى الإقرار . وقيل : إن الكفر عدم الإيمان عمن هو من شأنه ، فكفرنا بمعنى لم نصدق ، وذلك لا ينافي الشك ، أو متعلق الكفر الكتب والشرائع ، ومتعلق الشك ما يدعونهم إليه من التوحيد مثلاً . انتهى . أي : فلا ينافي شكّهم في ذلك كفرهم القطعيّ بالأول . وقوله تعالى : { مُرِيبٍ } بمعنى موقع في الريبة ، من ( أرابه ) أوقعه فيها ؛ أو ذي ريبة ، من ( أراب ) صار ذا ريبةٍ وهي صفة مؤكدة .