Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 68-77)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَالَ إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ } أي : بالإساءة إليهم . فإن الإساءة إليهم فضيحة للمضيف { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ * قَالُواْ أَوَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } أي : عن أن تجير أحداً منهم أو تدفع عنهم أو تمنع بيننا وبينهم . فإنهم كانوا يتعرضون لكل أحد . وكان يقوم صلى الله عليه وسلم بالنهي عن المنكر والحجر بينهم وبين المتعرض له . فأوعدوه وقالوا : { لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يٰلُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُخْرَجِينَ } [ الشعراء : 167 ] . أفاده الزمخشري . { قَالَ هَؤُلآءِ بَنَاتِي إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } تقدم الكلام عليه في سورة هود ، مفصلاً { لَعَمْرُكَ } قسم بحياة النبي صلى الله عليه وسلم ، اعترض به تعباً من شدة غفلتهم وتكريما للمخاطب { إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ } أي : غفلتهم التي ذهبت معها أحلامهم { يَعْمَهُونَ } أي : يترددون فلا يفهمون ما يقال لهم . ولما لم يسمعوا منه ، النصيحة المبقية لهم ، أسمعهم الله الصيحة المهلكة لهم . { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ } أي : صيحة العذاب { مُشْرِقِينَ } أي : داخلين في وقت شروق الشمس { فَجَعَلْنَا } أي : من تلك الصيحة المحركة للأرض { عَالِيَهَا سَافِلَهَا } قال المهايميّ : لجعلهم الرجال العالين كالنساء السافلات . { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ } أي : طين متحجر ، لرجمهم على لواطهم { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } أي : الناظرين بطريق في الآيات { وَإِنَّهَا } يعني مدينة قوم لوط المدمرة { لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ } أي : ثابت يسلكه الناس ، لم يندرس بعد ، وهم يبصرون تلك الآثار . قال الزمخشري : وهو تنبيه لقريش ، كقوله : { وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ * وَبِٱلَّيلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ الصافات : 137 - 138 ] . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ } أي : في هلاكهم لعبرة لهم . تنبيهان الأول : قال ابن القيم : في ( أقسام القرآن ) : أكثر المفسرين من السلف والخلف بل لا يعرف السلف فيه نزاعا - أن هذا ، يعني قوله تعالى : { لَعَمْرُكَ } قسم من الله بحياة رسوله صلى الله عليه وسلم . وهذا من أعظم فضائله أن يقسم الرب عز وجل بحياته . وهذه مزية لا تعرف لغيره . ولم يوفق الزمخشري لذلك . فصرف القسم إلى أنه بحياة لوط . وإنه من قول الملائكة . فقال : هو على إرادة القول . أي قالت الملائكة للوط عليه السلام : { لَعَمْرُكَ } … الآية - وليس في اللفظ ما يدل على واحد من الأمرين بل ظاهر اللفظ وسياقه إنما يدل على أن ما فهمه السلف أطيب ، لا أهل التعطيل والاعتزال . قال ابن عباس رضي الله عنهما : { لَعَمْرُكَ } أي : حياتك . قال : وما أقسم الله تعالى بحياة نبي غيره . والعَمر والعُمر واحد . إلا أنهم خصوا القسم بالمفتوح لإثبات الأخف ، لكثرة دور الحلف على ألسنتهم . وأيضاً فإن العمر حياة مخصوصة . فهو عمر شريف عظيم أهلٌ أن يقسم به ، لمزيته على كل عمر من أعمار بني آدم . ولا ريب أن عمره وحياته من أعظم النعم والآيات . فهو أهل أن يقسم به . والقسم به أولى من القسم بغيره من المخلوقات . ثم قال ابن القيم : وإنما وصف الله سبحانه اللوطية بالسكرة ؛ لأن للعشق سكرة مثل سكرة الخمر كما قال القائل : @ سُكْرَانِ : سُكْرُ هوى وَسُكْرُ مُدَامَةٍ ومتى إفاقةُ مَنْ بِهِ سُكْرانِ ؟ @@ الثاني : قوله تعالى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } . قال السيوطي في ( الإكليل ) : هذه الآية أصل في الفراسة . أخرج الترمذي من حديث أبي سعيد مرفوعاً : " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله " ثم قرأ هذه الآية . وقد كان بعض قضاة المالكية يحكم بالفراسة في الأحكام ، جرياً على طريق إياس بن معاوية . انتهى . وقد أجاد الكلام في الفراسة ، الراغب الأصفهاني في كتاب ( الذريعة ) حيث قال في الباب السابع : وأما الفراسة ، فالاستدلال بهيئة الإنسان وأشكاله وألوانه وأقواله ، على أخلاقه وفضائله ورذائله . وربما يقال : هي صناعة صيادة لمعرفة أخلاق الإنسان وأحواله . وقد نبه الله تعالى على صدقها بقوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } [ الحجر : 75 ] ، وقوله : { تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ } [ البقرة : 273 ] وقوله : { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ } [ محمد : 30 ] ولفظها من قولهم : ( فَرَسَ السبعُ الشاةَ ) فكأن الفراسة اختلاس المعارف . وذلك ضربان : ضرب يحصل للإنسان عن خاطر لا يعرف سببه ، وذلك ضرب من الإلهام ، بل ضرب من الوحي . وإياه عني النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " المؤمن ينظر بنور الله " وهو الذي يسمى صاحبه المروع والمحدث . وقال صلى الله عليه وسلم : " إن يكن في هذه الأمة محدث ، فهو عمر " . وقيل في قوله تعالى : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } الآية [ الشورى : 51 ] : إنما كان وحيا بإلقائه في الروع ، وذلك للأنبياء كما قال عز وجل : { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ } [ الشعراء : 193 - 194 ] وقد يكون بإلهام في حال اليقظة وقد يكون في حال المنام . ولأجل ذلك قال صلى الله عليه وسلم : " الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة " . والضرب الثاني من الفراسة يكون بضاعة متعلمة وهي معرفة ما بين الألوان والأشكال ، وما بين الأمزجة والأخلاق والأفعال الطبيعية . ومن عرف ذلك كان ذا فهم ثاقب بالفراسة . وقد عمل في ذلك كتب من تتبع الصحيح منها ، اطلع على صدق ما ضمنوه . والفراسة ضرب من الظن . وسئل بعض محصلة الصوفية عن الفرق بينهما فقال : الظن بتقلب القلب ، والفراسة بنور الرب . ومن قوي فيه نور الروح المذكور في قوله تعالى : { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي } [ الحجر : 29 ] كان ممن وصفه بقوله : { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ } [ هود : 17 ] وكان ذلك النور شاهداً ، أصاب فيما حكم به . ومن الفراسة قوله صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين : " إن أمرهما بين ، لولا حكم الله " .