Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 82-87)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ } أي : من حوادث الدهر { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ } أي : وقت الصباح من اليوم الرابع . وفي سورة الأعراف { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } [ الآية : 78 ] أي : الزلزلة وهي من توابع الصيحة . أو هي مجاز عنها . { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } أي : ما كانوا يستغلونه من زروعهم وثمارهم التي ضنوا بمائها عن الناقة ، حتى عقروها لئلا تضيق عليهم في المياه ، فما دفعت عنهم تلك الأموال لما جاء أمره تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } أي : إلا خلقاً متلبساً بالحق والحكمة الثابتة ، التي لا تقبل التغير . وهي الاستدلال بها على الصانع وصفاته وأسمائه وأفعاله ليعرفوه فيعبدوه ، بحيث لا يلائم استمرار الفساد . ولذلك اقتضت الحكمة إرسال الرسل مبشرين ومنذرين . { وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ } أي : فيجزي كلا بما كانوا يعملون { فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ } أي : عاملهم معاملة الصفوح الحكيم ، كقوله : { فَٱصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } [ الزخرف : 89 ] . وقوله تعالى : { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ } تقرير للمعاد ، وأنه تعالى قادر على إقامة الساعة . فإنه الخلاق الذي لا يعجزه خلق شيء ، العليم بما تمزق من الأجساد وتفرق في سائر أقطار الأرض كقوله تعالى : { أَوَلَـيْسَ ٱلَذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاواتِ وَٱلأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىٰ وَهُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ } [ يس : 81 ] . { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ } قال الرازي : إنه تعالى لما صبره على أذى قومه وأمره بأن يصفح الصفح الجميل ، أتبع ذلك بذكر النعم العظيمة التي خصه بها ؛ لأن الإنسان إذا تذكر كثرة نعم الله عليه ، سهل عليه الصفح والتجاوز . ( والسبع المثاني ) هو القرآن كله كما قاله ابن عباس في رواية طاوس . لقوله تعالى : { كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ } [ الزمر : 23 ] والواو في قوله : { وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ } لعطف الصفة كقول الشاعر : @ إلى المَلِكِ الْقَرْمِ وابن الهُمَامِ ولَيْثِ الكتيبة في المُزْدَحَمْ @@ و ( السبع ) يراد بها الكثرة في الآحاد . كالسبعين في العشرات . و ( المثاني ) جمع مثنى بمعنى التثنية أو الثناء . فإنه تكرر قراءته أو ألفاظه أو قصصه ومواعظه . أو مثنى عليه بالبلاغة والإعجاز . أو مثن على الله تعالى بأفعاله العظمى وصفاته الحسنى . وقد روي عن بعض السلف تفسير السبع بالسور الطوال الأول ، وهذا لم يقصد به . إلا أن اللفظ الكريم يتناولها ، لا أنها هي المعنية . كيف لا وهذه السورة مكية وتلك مدنيات ؟ كالقول بأنها الفاتحة سواء . وأما حديث : " الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته " عند الشيخين ، فمعناه أنها من السبع ، لعطف قوله : " والقرآن العظيم الذي أوتيته " ولو كان القصر على بابه ، لناقضه المعطوف . لاقتضائه أنها هو لا غيره . وبداهة بطلانه لا تخفى . وسر الإخبار أنها السبع ، كون الفاتحة مشتملة على مجمل ما في القرآن . وكل ما فيه تفصيل للأصول التي وضعت فيها . كما بينه الإمام مفتي مصر في ( تفسير الفاتحة ) فراجعه . هذا ما ظهر لي الآن في تحقيق الآية . وللأثري الواقف مع ظاهر ما صح من الأخبار ، الجازم بأن السبع في الآية هي الفاتحة لظاهر الحديث - أن يجيب عن القصر بأن المراد بالمعطوف القرآن بمعنى المقروء ، لا بمعنى الكتاب كله . والله أعلم .