Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 97-99)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ * وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ } لما ذكر تعالى أن قومه يهزأون ويسفهون ، أعلمه بما يعلمه سبحانه منه ، من ضيق صدره وانقباضه بما يقولون . لأن الجبلة البشرية والمزاج الإنساني يقتضي ذلك . ثم أعلمه بما يزيل ضيق الصدر والحزن . وذلك بما أمره من التسبيح والتحميد والصلاة . كما قال تعالى : { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ } [ البقرة : 45 ] ، وقال : { أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } [ الرعد : 28 ] ومعلوم أن في الإقبال على ما ذكر ، استنزال الإمداد الرباني بالنصر والمعونة لقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } [ البقرة : 153 ] وقوله : { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } [ البقرة : 152 ] وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ } [ النحل : 128 ] . وقد روي في شمائله صلوات الله عليه ؛ أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ، تأويلا لما ذكر . قال أبو السعود : وتحلية الجملة بالتأكيد لإفادة تحقيق ما تضمنته من التسلية . وفي التعرض لعنوان الربوبية ، مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام ، ما لا يخفى من إظهار اللطف به عليه الصلاة والسلام والإشعار بعلة الحكم ، أعني الأمر بالتسبيح والحمد . والمراد من { ٱلسَّاجِدِينَ } المصلين . من إطلاق الجزء على الكل . و { ٱلْيَقِينُ } : الموت . فإنه متيقن اللحوق بكل حي مخلوق . وإسناد الإتيان إليه ، للإيذان بأنه متوجه إلى الحيّ طالب للوصول إليه . والمعنى دم على العبادة ما دمت حيّا . كقوله تعالى في سورة مريم : { وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً } [ الآية : 31 ] . وقيل : المراد بـ { ٱلْيَقِينُ } تعذيب هؤلاء وأن ينزل بهم ما وعده . ولا ريب أنه من المتيقن إلا أن إرادة الموت منه ، أولى . يدل له قوله تعالى إخباراً عن أهل النار : { قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَآئِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ * حَتَّىٰ أَتَانَا ٱلْيَقِينُ } [ المدثر : 43 - 47 ] وما في الصحيح عن أم العلاء ، امرأة من الأنصار ؛ " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل على عثمان بن مظعون وقد مات ، قالت أم العلاء : رحمة الله عليك ، أبا السائب ! فشهادتي عليك ، لقد أكرمك الله ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وما يدريك أن الله أكرمه ؟ " فقلت : بأبي وأمي يا رسول الله ! فمن ؟ فقال : " أما هو فقد جاءه اليقين ، وإني لأرجو له الخير " " . تنبيه قال الحافظ ابن كثير : يستدل بهذه الآية الكريمة وهي قوله : { وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ } على أن العبادة ، كالصلاة ونحوها ، واجبة على الإنسان ما دام عقله ثابتاً ، كما في صحيح البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " صلِّ قائماً ، فإن لم تستطع فقاعداً ، فإن لم تستطع فعلى جنب " ويستدل بها على تخطئة من ذهب من الملاحدة إلى أن المراد باليقين المعرفة . فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة سقط عنه التكليف عندهم . وهذا كفر وضلال وجهل . فإن الأنبياء عليهم السلام كانوا هم وأصحابهم ، أعلم الناس بالله ، وأعرفهم بحقوقه وصفاته ، وما يستحق من التعظيم . وكانوا مع هذا ، أعبد الناس وأكثرهم مواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة . انتهى .