Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 100-100)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي } أي : رزقه وسائر نعمه على خلقه : { إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنْفَاقِ } أي : لبخلتم بها مخافة نفادها بالإنفاق . مع أنها لا تفرغ ولا تنفد أبداً ؛ لأن هذا من طباعكم وسجاياكم . ولهذا قال سبحانه : { وَكَانَ ٱلإنْسَانُ قَتُوراً } أي : بخيلا . تنبيهات الأول : هذه الآية بلغت بالمشركين ، من الوصف بالشح ، الغاية التي لا يبلغها الوهم ، كما قاله الزمخشريّ . الثاني : ما اقتضاه آخر الآية من بخل كل أحد فأَما بالنسبة إلى الجواد الحقيقي سبحانه ؛ لأن المرء إما ممسك أو منفق . والثاني لا يكون إلا لغرضٍ للعاقل ، إما دنيويّ كعوض ماليّ ، أو معنويّ كثناء جميل ، أو خدمة واستمتاع ، كما في النفقة على الأهل . وما كان لعوض ماليّ كان مبادلة لا مباذلة . أو هو بالنظر إلى الأغلب ، وتنزيل غيره منزلة العدم كما قيل : @ عَدَّنَا في زماننا عن حَدِيثِ المَكَارِمِ مَنْ كَفَى الناس شَرَّهُ فهو في جُودِ حَاتِمِ @@ أفاده الشهاب . وقال ابن كثير : إن الله تعالى يصف الإنسان من حيث هو . إلا من وفّقه الله وهداه ، فإن البخل والجزع والهلع صفة له . كما قال تعالى : { إِنَّ ٱلإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلاَّ ٱلْمُصَلِّينَ } [ المعارج : 19 - 22 ] ولهذا نظائر كثيرة في القرآن العزيز . الثالث : ذكر هذه الآية إثْرَ ما قبلها ، لتقرير انفراده تعالى بملك خزائن الرحمة ، وسعة كرمه وجوده وإحسانه . كما انفرد بتلك القدرة الباهرة من خلق السماوات والأرض ، كي تنجلي لهم قدرته العظمى ، وسعة خزائنه الملأى ، فيصلوا بذلك إلى اليقين بصحة ما ادعاه الرسول صلى الله عليه وسلم ، وحقية ما يدعوهم إليه . وذكر هذا المعنى في أسلوب بيان ما فطر عليه الإنسان ، تذكيراً له بنقصه وضعفه ، وإشفاقه وحرصه . ليعلم أنه غير مخلوق سدى ، يُخلى بينه وبين ما تتقاضاه به نفسه وهواه . والمعنى : أفلا تعتبرون بسعة رحمته وعميم فضله ، مما يبرهن على وحدانيته في ألوهيته ، ولا ترون ما أنتم عليه من أنكم لو ملكتم ما لا نفاد له من خزائنه ، لضننتم بها . مما يدلكم على أنه هو مالك الملك ، وأنكم مُسَخَّرون لأمره . وهذه الآية كقوله تعالى { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً } [ النساء : 53 ] أي : لو أن لهم نصيباً في ملك الله لما أعطوا أحداً شيئاً ولا مقدار نقير . وقد جاء في الصحيحين : " يَدُ اللهِ ملأَى لا يغيضها نفقة ، سحاء الليل والنهار . أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه " .