Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 25-27)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ } أي : ضمائركم من قصد البر إلى الوالدين والعقوق { إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ } أي : قاصدين للصلاح والبرّ دون العقوق { فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ } أي : التوابين الرجّاعين إليه تعالى بالندم عما فرط منهم ، والاستقامة على المأمور { غَفُوراً } أي : لهم ما اكتسبوا . ولا يخفى ما في صدر الآية من الوعد لمن أضمر البرّ . والوعيد لمن أضمر الكراهة والاستثقال والعقوق . قيل : الآية استئناف يقتضيه مقام التأكيد والتشديد . كأنه قيل : كيف يقوم بحقهما وقد تبدر بوادر ؟ فقيل : إذا بنيتم الأمر على الأساس ، وكان المستمر ذلك ، ثم اتفقت بادرة من غير قصد إلى المساءة ، فلطف الله يحجز دون عذابه . ويجوز - كما قال الزمخشري - أن يكون هذا عاماً لكل من فرطت منه جناية ثم تاب منها . ويندرج تحته الجاني على أبويه ، التائب من جنايته ، لوروده على أثره . ثم وصّى تعالى بغير الوالدين من الأقارب ، بعد الوصية بهما ، بقوله سبحانه : { وَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ } أي : من صلته وحسن المعاشرة ، والبرّ له بالإنفاق عليه . قال المهايميّ : لم يقل ( القريب ) لأن المطلق ينصرف إلى الكامل . والإضافة ، لما كانت لأدنى الملابسة ، صدق ( ذو القربى ) على كل من له قرابة ما . { وَٱلْمِسْكِينَ } أي : الفقير من الأباعد . وفي الأقارب مع الصدقة صلة الرحم . { وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ } أي : المسافر المنقطع به . أي : أعنه وقوّه على قطع سفره . ويدخل فيه ما يعطاه من حمولة أو معونة أو ضيافة . فإن ذلك كله من حقه { وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً } أي : بوجه من الوجوه ، بالإنفاق في محرم أو مكروه ، أو على من لا يستحق ، فتحسبه إحساناً إلى نفسك أو غيرك . أفاده المهايميّ . وفي ( الكشاف ) : كانت الجاهلية تنحر إبلها وتتياسر عليها ، وتبذر أموالها في الفخر والسمعة ، وتذكر ذلك في أشعارها . فأمر الله بالنفقة في وجوهها ، مما يقرب منه ويزلف . { إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُوۤاْ إِخْوَانَ ٱلشَّيَاطِينِ } أي : أمثالهم في كفران نعمة المال بصرفه فيما لا ينبغي . وهذا غاية المذمة لأن لا شرّ من الشيطان . أو هم إخوانهم أتباعهم في المصادقة والإطاعة . كما يطيع الصديق صديقه والتابع متبوعه ، أو هم قرناؤهم في النار على سبيل الوعيد . والجملة تعليل المنهي عنه عن التبذير ، ببيان أنه يجعل صاحبه مقروناً معهم . وقوله : { وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً } من تتمة التعليل . قال أبو السعود : أي : مبالغاً في كفران نعمته تعالى ؛ لأن شأنه أن يصرف جميع ما أعطاه الله تعالى من القُوَى ، إلى غير ما خلقت له من أنواع المعاصي ، والإفساد في الأرض ، وإضلال الناس ، وحملهم على الكفر بالله وكفران نعمه الفائضة عليهم ، وصرفها إلى غير ما أمر الله تعالى به . وتخصيص هذا الوصف بالذكر ، من بين سائر أوصافه القبيحة ، للإيذان بأن التبذير ، الذي هو عبارة عن صرف نعم الله تعالى إلى غير مصرفها ، من باب الكفران ، المقابل للشكر الذي هو عبارة عن صرفها إلى ما خلقت هي له . والتعرض لوصف الربوبية للإشعار بكمال عتوّه . فإن كفران نعمة الربّ ، مع كون الربوبية من أقوى الدواعي إلى شكرها ، غاية الكفران ونهاية الضلال والطغيان . انتهى . وقد استدل بالآية من منع إعطاء المال كله في سبيل الخير ، ومن منع الصدقة بكل ماله .