Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 6-8)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ } أي : بعد هذه المؤاخذة الشديدة ، رددنا ، عند توبتكم ، لكم الغلبة التي كانت لكم في الأصل ، عليهم { وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } أي : قوماً ورهطاً . جمع ( نفر ) أو اسم جمع له . وأصله مَن ينفر مع الرجل من قومه . وقوله تعالى : { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } بمثابة التعليل لما قبله . أي : فعلنا ذلك لتعلموا أنكم إن أحسنتم توبتكم وأعمالكم ، أحسنتم لأنفسكم ، بإبقاء الغلبة لها والإمداد بالأموال والبنين وتكثير النفير { وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } أي : فإساءتكم ضارة لها بغلبة الأعداء وسلب الأموال والبنين والنفير { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ } أي : مؤاخذة المرة الآخرة وعقوبتها . وقوله تعالى : { لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ } متعلق بجواب ( إذا ) المحذوف . أي بعثناهم ليسوءُوا وجوهكم ، أي : ذواتكم بالإذلال والقهر . قال الشهاب : عديت المساءة إلى الوجوه ، وإن كانت عليهم ؛ لأن آثار الأعراض النفسانية إنما تظهر في الوجه . كنضارة الوجه وإشراقه بالفرح . وكلوحه وسواده بالخوف والحزن . فالوجه ، بمعنى الذات ، مجاز مرسل ، أو استعارة تبعية . وقيل : الوجوه بمعنى الرؤساء وهو تكلف . واختير هذا على ( لِيَسُوءُوكُمْ ) مع أنه أخصر وأظهر ، إشارة إلى أنه جمع عليهم ألم النفس والبدن ، المدلول عليه بقوله : { وَلِيُتَبِّرُواْ } . انتهى . وقوله تعالى : { وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ } أي : الأقصى { كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ } أي : يدمروا { مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً } أي : عظيماً فظيعاً ، والتتبير : التدمير . وكل شيء كسرته وفتَّتهُ فقد تبرته . ثم أشار إلى أن فعله تعالى ليخلصوا توبتهم وأعمالهم بقوله { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ } أي : إذا أخلصتم للإنابة ، وأحسنتم الأعمال ، وأقمتم الكتاب وما نزل إليكم ، لأنكم علمتم من سنته تعالى أنه لا ينزل بلاء إلا بذنب ولا يرفعه إلا بتوبة . ولذا قال : { وَإِنْ عُدتُّمْ } أي : بعد هذه التوبة والإنابة إلى الاستكبار { عُدْنَا } أي : إلى تسليط الأعداء وسلب الأموال والأولاد في الدنيا . { وَجَعَلْنَا } أي : يوم القيامة { جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً } أي : محبساً وسجناً يحصرهم في العذاب والحرمان عن الثواب . قال الشهاب : إن كان - { حَصِيراً } - اسماً للمكان فهو جامد لا يلزم تذكيره وتأنيثه . وإن كان بمعنى حاصراً أي : محيطاً بهم ، وفعيل بمعنى فاعل ، يلزم مطابقته . فإما لأنه على النسب . ، كلابن وتامر . أو لحمله على ( فعيل ) بمعنى ( مفعول ) . أو لأن تأنيث جهنم غير حقيقيّ أو لتأويلها بمذكر . انتهى . وقيل : حصيراً ، أي : بساطا كما يبسط الحصير . مثل قوله تعالى : { لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ } [ الأعراف : 41 ] فهو تشبيه بليغ . والحصير بهذا المعنى بمعنى محصور لحصر بعض طاقاته على بعض . كما قاله الراغب . تنبيه روي أن بني إسرائيل كان الأمر مستتباً لهم في فلسطين إلى موت سليمان عليه السلام . فلما ملك ابنه بعده ، وذلك قبل المسيح بما ينيف على تسعمائة سنة ، وقع من الاختلال في عهده ما أفضى إلى تقريره عبادة الأوثان . فعوجل ، بعد خمس سنين من ملكه بأخذ ملك مصر بيتَ المقدس وسلب كنوز هيكلها ( المسجد الأقصى ) ونهب ما فيها . ولما ساء تصرفه تمرد عليه شعبه وخلعوا طاعته . فانقسمت مملكته إلى قسمين : أحدهما : دعي مملكة يهوذاً وهي المؤلفة من سبطي يهوذا وبنيامين ، بقيا خاضعين لابن سليمان . وثانيهما : دعي مملكة إسرائيل وهي المؤلفة من بقية الأسباط العشرة . وكان أول ملك على مملكة إسرائيل رجل يقال له يربعام . خاف من رجوع رعاياه إلى طاعة ابن سليمان إذا صعدوا إلى أورشليم في الأعياد الاحتفالية ليعبدوا الله في الهيكل ويقربوا ذبائحهم هناك . فأقام في مملكته عجلين من ذهب . وأمر رعيته بعبادتهما . ورتب لهم أعياداً احتفالية وكهنة . وقامت حروب هائلة بين ملوك هاتين الطائفتين . وكان يتخللهما من الملوك من ينزع عبادة الأوثان . إلا أنه لا يلبث الحال حين يأتي ملك آخر فيعيد الوثنية . واستمرت مملكة إسرائيل نحواً من مائتين وخمسين سنة . وفي نهاية أمرهم عظمت خطيئاتهم فسلط عليهم ملك أَشُّور ، ففتح السامرة - بلدهم - وسباهم إلى أشُّور وانقرضت مملكة العشرة الأسباط ولم يسمع ذكرهم بعد . ثم أرسل ملك أشُّور قوماً من بلاده وأسكنهم مدن السامرة ليعمروها مع من بقي من أهلها . وأرسل معهم كاهنا من اليهود ليقيم لمن بقي طقوسهم . فعادوا إلى شركهم وعبادة الأوثان مع الله تعالى ، وأما مملكة يهوذا فبقيت بعد انقراض مملكة إسرائيل ما ينيف على عشرين سنة . وفي أواخر أيامها قام فيها ملك شرير . فزحف إليه ملك بابل نبوخذ ناصر ( بختنصر ) فسبى قسماً من شعبه ، وكان السبي الأول . ثم قام ، بعد ذلك الملك الشرير ، وابنُه . فسار على طريقة أبيه . فعاد إليه ملك بابل المذكور واستأسره هو وآله ورؤساءه وقسما من الشعب . وسلب الهيكل . وكان هذا السبي الثاني بعد ثماني سنين من الأول . ثم قام فيهم ملك أشَرُّ ممن تقدم - وهو آخر ملوكهم - وفي أيامه حاصر ملك بابل المذكور أيضاً بيت المقدس ، وأسره إلى بابل ، وأحرق المدينة والهيكل ، وسبى كل شعب يهوذا ، ما عدا مساكين الأرض ، إلى بابل . وهذا هو السبي الثالث والأخير . وهكذا انقرضت هذه المملكة . وكانت إقامتهم في بابل سبعين سنة . ثم أطلقوا من الأسر فعادوا إلى بيت المقدس . وجددوا عمارتها وقيام الهيكل . وبقيت اليهود تحت تسلط ملوك فارس إلى أن ظهر الإسكندر الكبير . وغلبت اليونان الفرس وجاء الإسكندر إلى سورية فدخل بنو إسرائيل تحت حكم اليونان . وبعد وفاة الإسكندر انقسم ملكه إلى أربعة أقسام : منها مملكة سورية ومصر . وكانت بينهما حروب متصلة . والإسرائيليون ، لما كانوا بينهما ، كانوا تارة تحت تملك مصر وأخرى تحت تسلط سورية . واتفق في خلال ذلك أن رفض كثير من اليهود الديانة اليهودية ، وتمسكوا بديانة اليونانيين . ثم استولى الرومانيون على فلسطين وجرت حروب هائلة بينهم وبين اليهود ، أفضى الأمر إلى تسلط الرومانيين عليهم . وتملكوا بيت المقدس . وهدم تيطس ، أحد ملوكهم ، الهيكل إلى أساسه . وأحرق كتب اليهود وتشتت أمرهم ، ولم يبق لهم ملك ولا رئاسة بعده . وزعموا أن ذلك بعد رفع المسيح بنحو أربعين سنة . وزعموا أن الهيكل تراجع للعمارة ورمم ، إلى أن سارت هيلانة ، أم قسطنطين إلى القدس وبنت كنيسة على القبر ، الذي يزعم النصارى أنه قبر المسيح . وخربت الهيكل وأمرت أن تلقى فيه قمامات البلد وزبالته فصار موضع الصخرة مزبلة . وبقي كذلك حتى قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفتح القدس . فأمر بتنظيفه وبنى في قبلته مسجداً ، إلى أن ملك الوليد بن عبد الملك ، فجدد بناءه على أساسه القديم وبنى قبة الصخرة . وتفصيل هذه الماجريات معروفة في كتب التاريخ . ونحن لم نورد ما أوردناه على أنه تفسير للآية ؛ لأنها بإيجازها غنية عنه ، وفي تفسيرنا لألفاظها كفاية في فهمها ، إلا أن أكثر المفسرين تطرفوا لبعض ماجريات اليهود هنا ، فنقحنا منها أحسن ما حرره المؤرخون المتأخرون ، إيضاحاً لأفاعيلهم التي أشارت إليها الآيات الكريمة . وقد قدمنا في سورة يوسف ؛ أنه ليس في القرآن شيء من التاريخ من حيث هو قصص وأخبار . وإنما هي الآيات في العبر تجلت في سياق الوقائع ؛ ولذلك لم تذكر قصة بتفاصيلها . وإنما يذكر موضع العبرة فيها ، كما قال تعالى : { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } [ يوسف : 111 ] . ثم بيَّن تعالى مزية التنزيل الكريم التي فاق بها سائر ما أنزل ، بقوله سبحانه : { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ … } .