Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 21-21)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ } أي : كما أنمناهم وبعثناهم لما في ذلك من الحكمة ، أطلعنا عليهم أهل المدينة حتى دخلها من بعثوه للطعام ، وأخرج ورقهم المتقادمة العهد { لِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } أي : ليعلم الذين أطلعناهم على حالهم ، أن وعد الله بالبعث حق ؛ لأن حالهم في نومتهم وانتباهتهم بعدها كحال من يموت ثم يبعث { وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ } أي : الموعود فيها بالبعث { لاَ رَيْبَ فِيهَا } إذ لا بد من الجزاء بمقتضى الحكمة . ثم أشار تعالى إلى ما كان من أمرهم بعد وفاتهم وعناية قومهم بحفظ أجداثهم ، بقوله سبحانه : { إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُواْ ٱبْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً } أي : على باب كهفهم بنيانا عظيما . كالخانقاهات المشاهد والمزارات المبنية على الأنبياء وأتباعهم و { إِذْ } على ما يظهر لي ، ظرف لـ ( أذكر ) مقدراً . والجملة مستأنفة لبيان ختم نبئهم بما جرى بعد مماتهم ، إثْرَ ما أوجز من نبئهم بعد بعثهم والإعثار عليهم . وجعلُهُ ظرفاً لـ { أَعْثَرْنَا } أو لغيره مما ذكروا - ليس فيه قوة ارتباط ولا دقة معنى . وقوله تعالى : { فَقَالُواْ } تفسير للمتنازع فيه . وقوله تعالى : { رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ } جملة معترضة . إما من الله ردّا على الخائضين في حديثهم من أولئك المتنازعين فيهم على عهده صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب ، أو هي من كلام المتنازعين في عهدهم . كأنهم تذاكروا أمرهم العجيب وتحاوروا في أحوالهم ومدة لبثهم . فلما لم يهتدوا أحالوا حقيقة نبئهم إليه تعالى : { قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ } أي : من المتنازعين ، وهم أرباب الغلبة ونفوذ الكلمة { لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً } أي : نصلي فيه تبركا بهم وبمكانهم . تنبيه قال ابن كثير : حكي في القائلين ذلك قولان : أحدهما : أنهم المسلمون منهم ، والثاني : أنهم المشركون . والظاهر أنهم هم أصحاب النفوذ . ولكن هل هم محمودون أم لا ؟ فيه نظر . لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لعن الله اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد " يحذّر ما فعلوا . انتهى . وعجيب من تردده في كونهم غير محمودين ، مع إيراده الحديث الصحيح بعده ، المسجل بلعن فاعل ذلك . وهو أعظم ما عنون به على الغضب الإلهي والمقت الرباني . والسبب في ذلك أن البناء على قبر النبي والولي مدعاة للإقبال عليه والتضرع إليه . ففيه فتح لباب الشرك وتوسل إليه بأقرب وسيلة . وهل أصل عبادة الأصنام إلا ذلك ؟ كما قال ابن عباس في قوله تعالى : { وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } [ نوح : 23 ] قال : هؤلاء كانوا قوماً صالحين في قومهم . فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ، ثم صوروا تماثيلهم . فلما طال عليهم الأمد عبدوهم . فهؤلاء لما قصدوا الانتفاع بالموتى ، قادهم ذلك إلى عبادة الأصنام . قال الإمام محمد بن عبد الهادي عليه الرحمة ، في كتابه ( الصارم المنكى ) بعد إيراده ما تقدم : يوضحه أن الذين تكلموا في زيارة الموتى من أهل الشرك ، صرّحوا بأن القصد هو انتفاع الزائر بالمزور . وقالوا : من تمام الزيارة : أن يعلق همته وروحه بالميت وقبره . فإذا فاض على روح الميت من العلويات الأنوار ، فاض منها على روح الزائر بواسطة ذلك التعلق والتوجه إلى الميت . كما ينعكس النور على الجسم الشفاف بواسطة مقابلته . وهذا المعنى بعينه ، ذكره عباد الأصنام في زيارة القبور . وتلقّاه عنهم من تلقاه ممن لم يحط علماً بالشرك وأسبابه ووسائله . ومن هاهنا يظهر سر مقصود النبي صلى الله عليه وسلم بنهيه عن تعظيم القبور واتخاذ المساجد عليها والسرج ، ولعنه فاعل ذلك وإخباره بشدة غضب الله عليه . ونهيه عن الصلاة إليها ، ونهيه عن اتخاذ قبره عيداً . وسؤاله ربه تعالى ألا يجعل قبره وثناً يعبد . فهذا نهيه عن تعظيم القبور ، وذلك تعليمه وإرشادة للزائر أن يقصد نفع الميت والدعاء له والإحسان إليه ، لا الدعاء به ولا الدعاء عنده . ثم قال عليه الرحمة : ومن ظن أن ذلك تعظيم لهم فهو غلط جاهل . فإن تعظيمهم إنما هو بطاعتهم واتباع أمرهم ومحبتهم وإجلالهم . فمن عظمهم بما هو عاص لهم به ، لم يكن ذلك تعظيما . بل هو ضد التعظيم . فإنه متضمن مخالفتهم ومعصيتهم . فلو سجد العبد لهم أو دعاهم من دون الله أو سبّحهم أو طاف بقبورهم ، واتخذ عليها المساجد والسرج ، وأثبت لهم خصائص الربوبية ، ونزههم عن لوازم العبودية ، وادعى أن ذلك تعظيم لهم - كان من أجهل الناس وأضلهم . وهو من جنس تعظيم النصارى للمسيح حتى أخرجوه من العبودية . وكل من عظّم مخلوقاً بما يكرهه ذلك المعظَّم ويبغضه ، ويمقت فاعله فلم يعظمه في الحقيقة ، بل عامله بضد تعظيمه . فتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم : أن تطاع أوامره وتصدق أخباره ولاُ يقْدَم على ما جاء به غيره . فالتعظيم نوعان : أحدهما : ما يحبه المعظم و يرضاه ويأمر به ويثني على فاعله ، فهذا هو التعظيم في الحقيقة . والثاني ما يكرهه ويبغضه ويذم فاعله ، فهذا ليس بتعظيم بل هو غلوّ مناف للتعظيم . ولهذا لم يكن الرافضة معظمين لعلي ، بدعواهم الإلهية والنبوة أو العصمة ونحو ذلك . ولم يكن النصارى معظمين للمسيح بدعواهم فيه ما ادعوا . والنبي صلى الله عليه وسلم . قد أنكر على من عظمه بما لم يشرعه . فأنكر على معاذ سجوده له وهو محض التعظيم . وفي المسند بإسناد صحيح على شرط مسلم عن أنس بن مالك أن رجلاً قال : يا محمد ، يا سيدنا وابن سيدنا ، وخيرنا وابن خيرنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عليكم بتقواكم ، ولا يستهوينكم الشيطان . أنا محمد بن عبد الله ، عبدُ الله ورسولُه . ما أحب أن تعرفوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل " وقال صلى الله عليه وسلم : " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم . فإنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله " وكان يكره من أصحابه أن يقوموا له إذا رأوه . ونهاهم أن يصلوا خلفه قياماً وهو مريض . وقال : " إن كدتم آنفاً لتفعلون فعل فارس والروم . يقومون على ملوكهم " وكل هذا من التعظيم الذي يبغضه ويكرهه . ولقد غلا بعض الناس في تعظيم القبور حتى قال : إن البلاء يندفع عن أهل البلد أو الإقليم ، بمن هو مدفون عندهم من الأنبياء والصالحين . وهو غلوّ مخالف لدين المسلمين ، مخالف للكتاب والسنة والإجماع . وللبحث تتمة مهمة فانظره . وقوله تعالى : { سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ … } .