Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 144-144)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ } أي تردد وجهك وتصرّف نظرك في جهة السماء تشوفاً لنزول الوحي بالتحويل . قالوا : وفي ذلك تنبيه على حسن أدبه حيث انتظر ولم يسأل . وهذا ألطف مما قيل : إن تقلب وجهه كناية عن دعائه ، ولا مانع أن يراد بتقلب وجهه صلى الله عليه وسلم بالتحويل ، ففيه إعلام بما جعله تعالى من اختصاص السماء بوجه الداعي . وهذه الآية وإن كانت متأخرة في التلاوة ، فهي متقدمة في المعنى . فإنها رأس القصة . { فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا } أي : لنعطينك أو لنوجهنك إلى قبلة تحبها وتميل إليها . ودل على أن مرضيَّّة الكعبة ، بقاء السبب في قوله : { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } أي : نحوه وجهته . والتعبير عن الكعبة بالمسجد الحرام إشارة إلى أن الواجب مراعاة الجهة دون العين { وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ } أي : حيثما كنتم في بر أو بحر فولوا وجوهكم في الصلاة تلقاء المسجد . وأما سرّ الأمر بالتولية خاصاً وعاماً ، فقال الراغب : أما خطابه الخاص فتشريفاً له وإيجاباً لرغبته ، وأما خطابه العام بعده ، فلأنه كان يجوز أن يعتقد أن هذا أمر قد خص ، عليه السلام ، به . كما خص في قوله : { قُمِ ٱلَّيلَ } [ المزمل : 2 ] ، ولأنه لما كان تحويل القبلة أمراً له خطر ، خصهم بخطاب مفرد ليكون ذلك أبلغ وليكون لهم في ذلك تشريف ؛ ولأن في الخطاب العام تعليق حكم آخر به . وهو أنه لا فرق بين القرب والبعد في وجوب التوجه إلى الكعبة . { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ } قال الفخر : الضمير في قوله : { أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } راجع إلى مذكور سابق . وقد تقدم ذكر الرسول ، كما تقدم ذكر القبلة ، فجاز أن يكون المراد أن القوم يعلمون أن الرسول مع شرعه ونبوته حق ، فيشتمل ذلك على أمر القبلة وغيرها ، ويحتمل أن يرجع إلى هذا التكليف الخاص بالقبلة ، وأنهم يعلمون أنه الحق ، وهذا الاحتمال الأخير أقرب ، لأنه أليق بالمساق . ثم ذكر من وجوه علمهم لذلك : أنهم كانوا يعلمون أن الكعبة هي البيت العتيق الذي جعله الله تعالى قبلةً لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، وأنهم كانوا يعلمون نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لما ظهر عليه من المعجزات ، ومتى علموا نبوته فقد علموا لا محالة أن كل ما أتى به فهو حق . فكان هذا التحويل حقاً . قلت : وثم وجه آخر أدق مما ذكره الفخر في علمهم حقيّة ذلك التحويل وأنه من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم . وبيانه أن أمره تعالى للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، ولكافة من اتبعه ، باستقبال الكعبة ، من جملة الاستعلان في فاران المذكور في التوراة إشارةً لخاتم النبيين وبشارة به . فقد جاء في الإصحاح الثالث والثلاثين من سفر التثنية ( ويقال : الاستثناء ) هكذا : وهذه هي البركة التي بارك بها موسى رجلُ الله بني إسرائيل قبل موته فقال : جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سَعِيرَ وتلألأ من جبل فارانَ . وهذه البشارة تنبه على موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم ؛ لأن الله تعالى أنزل التوراة على موسى في طور سيناء والإنجيل على عيسى في جبل سعير . لأنه عليه السلام كان يسكن أرض الخليل من سعير بقرية تدعى الناصرة . وتلألؤه من جبل فاران عبارة عن إنزاله القرآن على محمد صلى الله عليه وآله وسلم في جبل فاران ، وفاران هي مكة . لا يخالفنا في ذلك أهل الكتاب . ففي الإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين في حال إسماعيل عليه السلام هكذا : وكان الله مع الغلام فكبر . وسكن في البرّية وكان ينمو راميَ قوس . وسكن في برّية فَارَانَ . ولا شك أن إسماعيل ، عليه السلام ، كان سكناه في مكة وفيها مات وبها دفن . وقال ابن الأثير : وفي الحديث ذكر جبل فاران اسم لجبال مكة بالعبرانيّ . له ذكر في أعلام النبوة . وألفه الأولى ليست بهمزة . { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } قرئ بالياء والتاء . فيه إنباء بتماديهم على سوء أحوالهم . ولما بين تعالى أنهم يعلمون أن هذه القبلة حق ، أعلم أن صفتهم لا تتغير في الاستمرار على المعاندة بقوله : { وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ … } .