Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 145-145)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } أي : من اليهود والنصارى { بِكُلِّ آيَةٍ } أي : برهان قاطع أنَّ التوجه إلى الكعبة هو الحق { مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ } أي : هذه التي حوّلت إليها ؛ لأن تركهم اتباعك ليس عن شبهة تزيلها بإيراد الحجة ، إنما هو عن مكابرة وعناد ، مع علمهم بما في كتبهم من نعتك أنك على الحق ، وقوله تعالى : { وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ } هذا حسم لأطماعهم في العود إليها . أو للمقابلة . يعني ما هم بتاركي باطلهم وما أنت بتارك حقك . { وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ } فلا أتفاق بين فريقيهم ، مع كون الكل من بني إسرائيل . قال الزمخشري : أخبر تعالى عن تصلب كل حزب فيما هو فيه وثباته عليه . فالمحق منهم لا يزلّ عن مذهبه لتمسكه بالبرهان . والمبطل لا يقلع عن باطله لشدة شكيمته في عناده . وفيه إراحة للنبيّ صلى الله عليه وسلم من التطلع إلى هَدْي بعضهم . فوائد الأولى : قال الراغب : إن قيل : كيف أعلم بأنهم لا يتبعون قبلته وقد آمن منهم فريق ؟ قيل : قال بعضهم : إن هذا حكم على الكل دون الأبعاض ، وهذا صحيح ، بدلالة أنك لو قلت : ما آمنوا ولكن آمن بعضهم ، لم يكن منافياً . وقيل : عنى به أقوام مخصوصون . الثانية : قال الراغب : في قوله تعالى : { وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ } إشارة إلى أن من عرف الله حق معرفته ، فمن المحال أن يرتد . ولذا قيل : ما رجع من رجع إلا من الطريق : أي ما أخل بالإيمان إلا من لم يصل إليه حق الوصول . إن قيل : فقد يوجد من يحصل له معرفة الله ثم يرتدّ . قيل : إن الذي يقدر أنه معرفة ، هو ظن متصور بصورة العلم . فأما أن يحصل له العلم الحقيقيّ ثم يعقبه الارتداد - فبعيد . ولم يعن بهذه المعرفة ما جعله الله تعالى للإنسان بالفطنة . فإن تكل كشررة تخمد إذا لم تتوقد . الثالثة : قال الإمام ابن القيّم رحمه الله تعالى ، في " بدائع الفوائد " : قبلة أهل الكتاب ليست بوحي وتوقيف من الله ، بل بمشورة واجتهاد منهم ، أما النصارى فلا ريب أن الله لم يأمرهم في الإنجيل ولا في غيره باستقبال المشرق ، وهم يقرّون بأن قبلة المسيح قبلة بني إسرائيل ، وهي الصخرة ، وإنما وضع لهم أشياخهم هذه القبلة ، فهم مع اليهود ، متفقون على أن الله لم يشرع استقبال بيت المقدس على رسوله أبداً ، والمسلمون شاهدون عليهم بذلك الأمر ، وأما اليهود فليس في التوراة الأمر باستقبال الصخرة ، البتة ، وإنما كانوا ينصبون التابوت ويصلّون إليه من حيث خرجوا ، فإذا قَدِموا نصبوه على الصخرة وصلوا إليه ، فلما رفع صلوا إلى موضعه وهو الصخرة . وقوله : { وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ } بعد الإفصاح عن حقيقة حاله المعلومة عنده في قوله : { وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ } كلام وارد على سبيل الفرض والتقدير . بمعنى : ولئن اتبعتهم ، مثلا ، بعد وضوح البرهان والإحاطة بحقيقة الأمر { إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } أي : المرتكبين الظلم الفاحش . وفي ذلك لطف للسامعين وزيادة تحذير واستفظاع لحال من يترك الدليل بعد إثارته ، ويتبع الهوى ، وتهييجٌ وإلهاب للثبات على الحق . أفاده الزمخشري . تنبيهات الأول : قال الراغب : حذر تعالى نبيه من إتباع أهوائهم ، ونبه أن إتباع الهوى بعد التحقيق بالعلم يدخل متحريه في جملة الظلمة ، وقد أكثر الله تحذيره من الجنوح إلى الهوى حتى كرر ذلك في عدة مواضع ، وقول من قال : الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، والمعنيّ به الأمة ، فلا معنى لتخصصه . فإن الله تعالى يحذر نبيه من إتباع الهوى أكثر مما يحذر غيره . فذو المنزلة الرفيعة إلى تحذير الإنذار عليه أحوج ، حفظاً لمنزلته وصيانة لمكانته . ا . هـ . وهو كلام نفيس جداً . الثاني : في الآية تنويه بشأن العلم . حيث سمى أمر النبوات والدلائل والمعجزات باسم العلم ، فذلك ينبّه على أن العلم أعظم المخلوقات شرفاً ومرتبة . الثالث : دلت الآية على أن توجه الوعيد على العلماء أشد من توجهه على غيرهم ؛ لأن قوله تعالى : { مِّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ } يدل على ذلك . ذكره الرازيّ .