Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 155-156)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ } خطاب لمن آمن مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ، خُصّوا به ، وإن شمل من ماثلهم ، لأنهم المباشرون للدعوة والجهاد ، ومكافحة الفجّار . وكل قائم بحق ، وداع إليه ، معرض للابتلاء بما ذكر ، كله أو بعضه . والتنوين للتقليل . أي : بقليل من كل واحد من هذه البلايا وطَرَف منه . وإنما قَلّل ليؤذن أن كل بلاء أصاب الإنسان ، وإن حل ، ففوقه ما يقل إليه . وليخفف عليهم ويريهم أن رحمته معهم في كل حال لا تزايلهم . وإنما أخبر به قبل الوقوع ، ليوطّنوا عليه نفوسهم . ويزداد يقينهم ، عند مشاهدتهم له حسبما أخبر به . وليعلموا أنه شيء يسير ، له عاقبة حميدة { مِّنَ ٱلْخَوْفِ } أي : خوف العدو والإرجاف به { وَٱلْجُوعِ } أي : الفقر ، للشغل بالجهاد ، أو فقد الزاد ، إذا كنتم في سرية تجاهدون في سبيل الله . وقد كان يتفق لهم ذلك أياماً يتبلغون فيها بتمرة { وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ } أي : لانقطاعهم بالجهاد عن عمارة بساتينهم ، أو لافتقاد بعضها بسبب الهجرة ، وترك شيء منه في البلدة المهاجر منها { وَٱلأَنفُسِ } بقتلها شهيدة في سبيل الله ، أو ذهاب أطرافها فيه { وَٱلثَّمَرَاتِ } أي : بألا تغل الحدائق كعادتها ، للغيبة عنها في سبيل الله ، وفقد من يتعاهدها ، وخصت بالذكر لأنها أعظم أموال الأنصار الذين هم أخص الناس بهذا الذكر ، لاسيما في وقت نزول هذه الآيات . وهو أول زمان الهجرة . فكل هذا وأمثاله مما يختبر الله به عباده كما قال { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّابِرِينَ } [ محمد : 31 ] . قال الراغب : هذه الآية مشتملة على محن الدنيا كلها : أي : إذا نظر إلى عموم كل فرد مما ذكر فيها ، وقطع النظر عن خصوص حال المخاطبين فيها ، بما يدل عليه سابقه . ثم بيّن تعالى ما للصابرين عنده بقوله : { وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ * ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ } مكروه ، اسم فاعل من أصابته شدة : لحقته . أي : كهذه البلايا { قَالُواْ إِنَّا للَّهِ } أي : ملكاً وخلقاً ، فلا ينبغي أن نخاف غيره ، لأنه غالب على الكل . أو نبالي بالجوع ، لأن رزق العبد على سيده ، فإن مُنِع وقتاً ، فلا بد أن يعود إليه . وأموالنا وأنفسنا وثمراتنا ملك له ، فله أن يتصرف فيها بما يشاء { وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } في الدار الآخرة . فيحصل لنا عنده ما فوّته علينا . لأنه لا يضيع أجر المحسنين . فالمصاب يهون عليه خطبه ، إذا تسلّى بقوله هذا ، وتصور ما خلق له ، وأنه رجع إلى ربه ، وتذكر نعم الله عليه ، ورأى أن ما أبقى عليه أضعاف ما استرده منه . قال الراغب : وليس يريد بالقول اللفظ فقط ، فإن التلفظ بذلك مع الجزع القبيح وتسخط القضاء ، ليس يغني شيئاً . وإنما يريد تصور ما خلق الإنسان لأجله والقصد له ، والاستهانة بما يعرض في طريق الوصول إليه . فأمر تعالى ببشارة من اكتساب العلوم الحقيقية وتصورها وقصد هذا المقصد ووطن نفسه عليه . ثم قال : إن قيل : ولِمَ قلتَ : إن الأمر بالصبر يقتضي العلم ؟ قيل : الصبر في الحقيقة إنما يكون لمن عرف فضيلة مطلوبه .