Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 165-165)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَ } لكن : { مِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً } أي : أمثالاً ، مع أنّ الآيات منعت من أن يكون له ندّ واحد فضلاً عن جماعتها يسوّون بينهم وبين الله إذْ : { يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ } أي : يعظمونهم ويخضعون لهم كتعظيم الله والخضوع له . والأنداد هي : إمّا الأوثان التي اتخذوها آلهة لتقربهم إلى الله زلفى ، ورجوا منها النفع والضرّ ، وقصدوها بالمسائل ، ونذروا لها النذور وقرّبوا لها القرابين . وإمّا الرؤساء الذين يتبعونهم فيما يأتون وما يذرون ، لاسيما في الأوامر والنواهي . ورجح هذا ، لأنه تعالى ذكر بعد هذه الآية : { إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ } [ البقرة : 166 ] وذلك لا يليق إلا بمن اتخذ الرجال أنداداً وأمثالاً لله تعالى يلتزمون من تعظيمهم والانقياد لهم ما يلتزمه المؤمنون من الانقياد لله تعالى : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ } من المشركين لأندادهم ؛ لأنّ أولئك اشركوا في المحبة ، والمؤمنون أخلصوها كلّها لله ، ولأنهم يعلمون أن جميع الكمالات له ومنه ، ولأنهم لا يعدلون عنه إلى غيره ، بخلاف المشركين فكانوا يعبدون الصنم زماناً ثم يرفضونه إلى غيره أو يأكلونه ، كما أكلت باهلة إلهها من حيسٍ ، عامَ المجاعة . قال العلامة ابن القيم رحمه الله في شرح المنازل في باب التوبة : أما الشرك فهو نوعان : أكبر وأصغر . فالأكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة ، وهو أن يتخذ من دون الله نداً يحبه كما يحب الله تعالى ، وهو الشرك الذي تضمن تسوية آلهة المشركين برب العالمين ، ولذا قالوا لآلهتهم في النار : { تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الشعراء : 97 - 98 ] مع إقرارهم بأن الله تعالى وحده خالق كل شيء ، وربّه ، ومليكه ، وأن آلهتهم لا تخلق ولا ترزق ولا تميت ولا تحيي ، وإنما كانت هذه التسوية في المحبة ، والتعظيم ، والعبادة ، كما هو حال أكثر مشركي العالم … ! بل كلّهم يحبون معبوديهم ، ويعظمونها ، ويوادّونها من دون الله تعالى … ! وكثير منهم - بل أكثرهم - يحبون آلهتهم أعظم من محبة الله تعالى … ! ويستبشرون بذكرهم أعظم من استبشارهم إذا ذكر الله تعالى … ! ويغضبون بتنقص معبوديهم وآلهتهم من المشايخ أعظم ما يغضبون إذا انتقص أحدٌ رب العالمين … ! وإذا انتقصت حرمات آلهتهم ومعبوديهم غضبوا غضب الليث أو الكلب … ! وإذا انتهكت حرمات الله تعالى لم يغضبوا لها . بل إذا قام المنتهك لها بإطعامهم شيئاً رضوا عنه ولم تنكر له قلوبهم … ! قد شاهدنا نحن وغيرنا هذا منهم … انتهى . وقال الإمام تقي الدين أحمد بن عليّ المقريزي رحمه الله : ومن أجلّ الشرك ، وأصله الشرك في محبة الله ، قال تعالى : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ } [ البقرة : 165 ] الآية ، فأخبر سبحانه أنّ من أحبّ مع الله شيئاً غيره ، كما يحبه ، فقد اتخذ ندّاً من دونه ! وهذا على أصح القولين في الآية أنهم يحبونهم كما يحبون الله ، وهذا هو العدل المذكور في قوله تعالى : { ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } [ الأنعام : 1 ] والمعنى على أصح القولين : أنهم يعدلون به غيره في العبادة فيسوون بينه وبين غيره في الحب والعبادة . وكذلك قوله المشركين في النار لأصنامهم : { تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الشعراء : 97 - 98 ] ؛ ومعلوم قطعاً أن هذه التسوية لم تكن بينهم وبين الله في كونهم خالقيهم ، فإنهم كانوا - كما أخبر الله عنهم - مقرّين بأنّ الله تعالى وحده هو رَبُّهم وخالقهم ، وأنّ الأرض ومن فيها لله وحده ، وأنه ربّ السماوات وربُّ العرش العظيم ، وأنّه هو الذي بيده ملكوت كلّ شيء ، وهو يجير ولا يجار عليه … وإنما كانت هذه التسوية بينهم وبين الله تعالى في المحبّة والعبادة ؛ فمن أحبّ غير الله تعالى ، وخافه ، ورجاه ، وذلّ له - كما يحبّ الله ويخافه ويرجوه - فهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله تعالى … ! فعياذاً بالله ! من أنْ ينسلخ القلب من التوحيد والإسلام ، كانسلاخ الحيّة من قِشرها ، وهو يظنّ أنّه مسلم موحّدٌ … ! وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض فتاويه : والمتّخذ إلهه هواه ، له محبّة كمحبّة المشركين لآلهتهم ، ومحبّةِ عبّاد العجل له ، وهذه محبّة مع الله لا محبّة لله ! وهذه محبّة أهل الشرك … ! والنفوس قد تدّعي محبة الله ، وتكون في نفس الأمر محبة شرك تحبّ ما تهواه وقد أشركته في الحب مع الله ! وقد يخفى الهوى على النفس ، فإنّ حبّك الشيء يعمى وبصمّ … ! وهكذا الأعمال التي يظنّ الإنسان أنه يعملها لله وفي نفسه شرك قد خفي عليه وهو يعلمه : إمّا لحبّ رياسة ، وإمّا لحبّ مال ، وإما لحبّ صورة … ! ولهذا قالوا : يا رسول الله ! الرجل يقاتل شجاعةً وحميّةً ورياءً ، فأي ذلك في سبيل الله ؟ قال : " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله … " ! فلمّا صار كثير من الصوفية النسّاك المتأخّرين يدّعون المحبّة - ولم يزنوها بميزان العلم والكتاب والسُّنة - دخل فيها نوعٌ من الشرك واتّباع الأهواء . والله تعالى قد جعل محبته موجبة لاتباع رسوله فقال : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } [ آل عمران : 31 ] وهذا ، لأن الرسول هو الذي يدعو إلى ما يحبّه الله ، وليس شيء يحبّه الله إلا والرسول يدعو إليه … ! وليس شيءٌ يدعو إليه الرسول إلا والله يحبّه … ! فصار محبوب الربّ ومدعوّ الرسول متلازميْن ، بل هذا هو هذا في ذاته ، وإنْ تنوّعت الصفات … ! انتهى . { وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ } أي : باتخاذ الأنداد ووضعها موضع المعبود { إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ } المعدّ لهم يوم القيامة { أَنَّ ٱلْقُوَّةَ للَّهِ جَمِيعاً } أي : القدرة كلها لله ، على كل شيء من العقاب والثواب ، دون أندادهم { وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعَذَابِ } أي : العقاب للظالمين . وفائدة عطفها على ما قبلها : المبالغة في تهويل الخطب ، وتفظيع الأمر . فإنّ اختصاص القوة به تعالى لا يوجب شدّة العذاب ، لجواز تركه عفواً مع القدرة عليه . وجواب لو محذوف للإيذان بخروجه عن دائرة البيان : إمّا لعدم الإحاطة بكنهه ، وإمّا لضيق العبارة عنه ، وإمّا لإيجاب ذكره ما لا يستطيعه المعبّر أو المستمع من الضجر والتفجّع عليه . أي : لكان منهم ما لا يدخل تحت الوصف من الندم والحسرة ووقوع العلم بظلمهم وضلالهم . ونظيره - في حذف الجواب - قوله تعالى : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ } [ الأنعام : 27 ، 30 ] وقولهم : لو رأيت فلاناً والسياط تأحذه . وقرئ : { وَلَوْ تَرَىْ } بالتاء - على خطاب الرسول أو كلّ مخاطَب - أي : ولو ترى ذلك لرأيت أمراً عظيماً في الفظاعة والهول .