Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 171-171)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنْعِقُ } أي : يصيح ، يقال : نعق الراعي بغنمه : صاح بها وزجرها . وقوله تعالى : { بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً } أي : بالبهائم التي لا تسمع إلا دعاء الناعق ونداءه - الذي هو تصويتٌ بها ، وزجرٌ لها - ولا تفقه شيئاً آخر ، ولا تعي كما يفهم العقلاء ويعون . وقد أفهم هذا الإيجاز البليغ تمثيلين في مثلٍ واحد . فكأنّ وفاء اللفظ : مثل الذين كفروا ومثل داعيهم كَمَثَلِ الراعي ومثل ما يرعى من البهائم . وهو من أعلى خطاب فصحاء العرب . ومن لا يصل فهمه إلى جمع المثلين ، يقتصر على تأويله بمثل واحد ، فيقدر في الكلام : ومثل داعي الذين كفروا . أشار لذلك الحراليّ فيما نقله البقاعيّ عنه . وقال الفراء : أضاف تعالى المثل إلى الذين كفروا ، ثمّ شبههم بالراعي ولم يقل : كالغنم . والمعنى - والله أعلم - مثل الذين كفروا كالبهائم التي لا تفقه ما يقول الراعي أكثر من الصوت ، فأضاف التشبيه إلى الراعي والمعنى في المرعيّ . قال : ومثله في الكلام : فلان يخافك كخوف الأسد . المعنى : كخوفه الأسد ؛ لأنّ الأسد معروف أنه المخُوف . وقيل : أريدَ تشبيه حال الكافر - في دعائه الصنم - بحال من ينعق بما لا يسمعه . والمعنى : مثل هؤلاء في دعائهم آلهتهم - التي لا تفقه دعاءهم - كمثل الناعق بغنمه فلا ينتفع من نعيقه بشيء ، غير أنّه هُوَ في دعاء ونداء . وكذلك المشرك ليس له من دعائه وعبادته إلا العناء . وقال ابن القيّم في " أعلام الموقعين " : ولك أن تجعل هذا من التشبه المركّب ، وأنْ تجعله من التشبيه المفرّق . فإن جعلته من المركّب : كان تشبيهاً للكفّار - في عدم فقههم وانتفاعهم - بالغنم التي ينعق بها الراعي فلا تفقه من قوله شيئاً غير الصوت المجرّد الذي هو الدعاء والنداء . وإن جعلته من التشبيه المفرّق : فالذين كفروا بمنزلة البهائم ، ودعاء داعيهم إلى الطريق والهدى بمنزلة الذي ينعق بها ، ودعاؤهم إلى الهدى بمنزلة النعق ، وإدراكهم مجرّد الدعاء والنداء كإدراك البهائم مجرّد صوت الناعق . والله أعلم . قال الرازي : اعلم أنّه تعالى - لمّا حكى عن الكفار أنهم عند الدعاء إلى اتّباع ما أنزل الله : تركوا النظر والتدبّر ، وأخلدوا ِإلى التقليد ، وقالوا : بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا - ضَرَبَ لهم هذا المثل - تنبيهاً للسامعين لهم - إنهم إنما وقعوا فيما وقعوا فيه : بسبب ترك الإصغاء ، وقلّة الاهتمام بالدين ، فصيّرهم - من هذا الوجه - بمنزلة الأنعام … ! ومثل هذا المثل يزيد السامع معرفةً بأحوال الكفّار ، ويحقّر إلى الكافر نفسَه إذا سمع ذلك ، فيكون كسراً لقلبه ، وتضييقاً لصدره - حيث صيّره كالبهيمة - فيكون في ذلك نهاية الزجر والردع لمن يسمعه عن أن يسلك مثل طريقة في التقليد . ثمّ زاد في تبكيتهم فقال : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } فهم بمنزلة الصمّ : في أنَّ الذي سمعوه كأنهم لم يسمعوه ، وبمنزلة البُكْم : في أنهم لم يستجيبوا لما دُعوا إليه ، وبمنزلة العُمْيِ : من حيث إنهم أعرضوا عن الدلائل فصاروا كأنهم لم يشاهدوها . ولمّا كان طريق اكتساب العقل المكتسب هو الاستعانة بهذه القوى الثلاثة ، فلمّا أعرضوا عنها ، فقدوا العقل المكتسب . ولهذا قيل : مَنْ فقد حسّاً فقد علماً … !