Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 215-215)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ } أي : أيّ شيء ينفقونه من أصناف الأموال ؟ { قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ } قبل غيرهما ليكون أداءً لحقّ تربيتهما مع كونه صلة الوصل وصدقة { وَٱلأَقْرَبِينَ } بعدهما ليكون صلة وصدقة { وَٱلْيَتَامَىٰ } بعدهم لأنّ فيهم الفقر مع العجز { وَٱلْمَسَاكِينِ } بعدهم لاحتياجهم { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } بعدهم لأنه كالفقير لغيبة ماله . فإن قيل : كيف طابق الجواب السؤال ، فإنهم سألوا عن بيان ما ينفقون ، وأُجيبوا ببيان المصرف ؟ فالجواب : أنّ قوله : { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ } قد تضمن بيان ما ينفقونه - وهو كلّ مالٍ عدّوه خيراً - وبنى الكلام على ما هو أهمّ وهو بيان المصرف ، لأن النفقة لا يعتد بها إلا أن تقع موقعها . قال الشاعر : @ إن الصنيعة لا تكون صنيعةً حتى يصاب بها طريق المصنع ! فإذا صنعت صنيعةً فاعمد بها لله أو لذوي القرابة أو دَعِ … ! @@ فيكون الكلام من الأسلوب الحكيم كقوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ } [ البقرة : 189 ] . فيما تقدم هذا . وقال القفال : إنّه وإن كان السؤال وارداً بلفظ ما ، إلا أنّ المقصود السؤال عن الكيفية ، لأنهم كانوا عالمين أنّ الذي أمروا به إنفاق مال يخرج قربة إلى الله تعالى ؛ وإذا كان هذا معلوماً لم ينصرف الوهم إلى أنّ ذلك المال أي شيء هو ؟ وإذا خرج هذا عن أن يكون مراداً تعين أنّ المطلوب بالسؤال : أنّ مصرفه أي شيء هو ؟ وحينئذٍ يكون الجواب مطابقاً للسؤال . ونظيره قوله تعالى : { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ … } [ البقرة : 70 - 71 ] ، وإنما كان هذا الجواب موافقاً لذلك السؤال ، لأنه كان من المعلوم أنّ البقرة هي البهيمة التي شأنها وصفتها كذا ؛ فقوله : { مَا هِيَ } ؟ لا يمكن حمله على طلب الماهية ، فتعين أن يكون المراد منه طلب الصفة التي بها تتميز تلك البقرة عن غيرها . فبهذا الطريق قلنا : إنّ ذلك الجواب مطابق لذلك السؤال . فكذا ههنا ، لما علمنا أنهم كانوا عالمين بأن الذي أمروا بإنفاقه ما هو - وجب أن يقطع بأنّ مرادهم من قولهم : { مَاذَا يُنْفِقُونَ } ليس هو طلب الماهية ، بل طلب المصرف ، فلهذا حسن هذا الجواب … ! وأجاب الراغب بجوابين : أحدهما : أنهم سألوا عنهما وقالوا : ما ننفق ؟ وعلى من ننفق ؟ ولكن حذف حكاية السؤال أحدهما إيجازاً ، ودل عليه بالجواب بقوله : { مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ } كأنه قيل : المنفَق الخيرُ ، والمنفق عليهم هؤلاء ؛ فلفف أحد الجوابين في الآخر ، وهذا طريق معروف في البلاغة . الجواب الثاني : إنّ السؤال ضربان : سؤال جدل ، وحقه أن يطابقه جوابه . لا زائداً عليه ولا ناقصاً عنه . وسؤال تعلّم ، وحق المعلّم أن يكون كالطبيب يتحرى شفاء سقيم فيطلب ما يشفيه - طلبه المريض أو لم يطلب . فلمّا كان حاجتهم إلى من ينفق المال عليهم كحاجتهم إلى ما يُنفق من المال ، بين لهم الأمرين جميعاً . إن قِيل : كيف خصّ هؤلاء النفر دون غيرهم ؟ قيل : إنما ذكر من ذكر على سبيل المثال لمن ينفق عليهم ، لا على سبيل الحصر والاستيعاب ، إذ أصناف المنفق عليهم على ما قد ذكر في غير هذا الموضع . ولما بيّن تعالى وجه المصرف وَفصَّله هذا التفصيل الحسن الكامل ، أردفه بالإجمال فقال : { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } أي : وكلّ ما فعلتموه من خيرٍ - إمّا مع هؤلاء المذكورين وإمّا مع غيرهم - حسبة لله ، وطلباً لجزيل ثوابه ، وهرباً من أليم عقابه ، فإن الله به عليم . والعليم مبالغة في كونه عالماً ، يعني : لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، فيجازيكم أحسن الجزاء عليه ، كما قال : { أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ } [ آل عمران : 195 ] وقال : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } [ الزلزلة : 7 ] .