Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 228-228)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ } ، هذا أمر للمطلقات بأن يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء أي : بأن تمكث إحداهن بعد طلاق زوجها لها ثلاثة قروء ثم تتزوج إن شاءت . وأريد بالمطلقات : المدخول بهن من ذوات الأقراء ، لما دلت الآيات والأخبار أن حكم غيرهن خلاف ما ذكر . أما غير المدخولة فلا عدّة عليها لقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ } [ الأحزاب : 49 ] ؛ وأما التي لم تحض فعدتها ثلاثة أشهر لقوله تعالى : { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَٱللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ } [ الطلاق : 4 ] ، وأما الحامل فعدتها وضع الحمل لقوله تعالى : { وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } [ الطلاق : 4 ] . فهذه الآية من العام المخصوص . قال الزمخشريّ : فإن قلت : فما معنى الإخبار عنهن بالتربّص ؟ قلت : هو خير في معنى الأمر ، وأصل الكلام وليتربص المطلقات ، وإخراج الأمر في صورة الخبر تأكيد للأمر وإشعار بأنه مما يجب أن يتلقى بالمسارعة إلى امتثاله . فكأنهن امتثلن الأمر بالتربص . فهو يخبر عنه موجوداً . ونحوه قولهم في الدعاء : رحمك الله أخرج في صورة الخبر ثقة بالاستجابة ، كأنما وجدت الرحمة فهو يخبر عنها . وبناؤه على المبتدأ مما زاده أيضاً فضل توكيد . ولو قيل : ويتربص المطلقات لم يكن بتلك الوكادة … فإن قلت : هلا قيل : يتربصن ثلاثة قروء كما قيل تربص أربعة أشهر ، وما معنى ذكر الأنفس ؟ قلت : في ذكر الأنفس تهييج لهنّ على التربص وزيادة بعث ، لأن فيه ما يستنكفن منه فيحملهن على أن يتربصن . وذلك أنّ أنفس النساء طوامح إلى الرجال . فأمرن أن يقمعن أنفسهن ويغلبنها على الطموح ويجبرنها على التربص . والقرء : من الأضداد . يطلق على الحيض والطهر . نص عليه من أئمة اللغة : أبو عبيدة والزجاج وعمرو بن العلاء وغيرهم . والبحث في ترجيح أحدهما طويل الذيل . استوفاه الإمام ابن القيّم في زاد المعاد فانظره . ولمن نظر إلى موضوعه اللغويّ أن يقول : تنقضي العدة بثلاثة أطهار أو بثلاث حيض ، فأيهما اعتبرته المعتدة خرجت عن عهدة التكليف به . والله أعلم . { وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ } - أي : المطلقات - { أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ } من الحيض أو الولد ، استعجالا في العدة أو إبطالاً لحقّ الزوج في الرجعة { إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ } ، أي : إن جرين على مقتضى الإيمان به ، المخوف من ذاته { وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } المخوف من جزائه . ودلّ هذا على أن المرجع في هذا إليهنّ ، لأنه أمر لا يعلم إلا من جهتهن ، ويتعذر إقامة البينة على ذلك ، فرد الأمر إليهن ، وتوعدن فيه لئلا يخبرن بغير الحقّ . وهذه الآية دالة على أنّ كل من جعل أميناً في شيء فخان فيه ، فأمره عند الله شديد { وَبُعُولَتُهُنَّ } - أي : أزواجهن - { أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ } أي : برجعتهن ، والكلام في الرجعية بدليل الآية التي بعدها { فِي ذَلِكَ } أي : في زمان التربص ، وهي أيام الأقراء . أما إذا انقضت مدة التربص فهي أحقّ بنفسها ، ولا تحلّ له إلا بنكاح مستأنف بوليّ وشهودٍ ومهرٍ جديد . ولا خلاف في ذلك { إِنْ أَرَادُوۤاْ } ، أي : بالرجعة { إِصْلاَحاً } لما بينهم وبينهن ، وإحساناً إليهن ، ولم يريدوا مضارتهن . وإلا فالرجعة محرمة لقوله تعالى : { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ } [ البقرة : 231 ] ، { وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } أي : ولهن على الرجال مثل ما للرجال عليهن . فليؤدّ كلّ واحدٍ منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف . كما ثبت في صحيح مسلم : عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في حجة الوداع : " فاتقوا الله في النساء . فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله . ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح ، ولهنّ رزقهن وكسوتهن بالمعروف " . وعن معاوية بن حيدة قال : " قلت : يا رسول الله ! ما حقّ زوجة أحدنا عليه ؟ قال : " أن تطعمها إذا طَعِمْتَ ، وتكسوها إذا اكتسيتَ . ولا تضرب الوجه ، ولا تقبح ، ولا تهجر إلا في البيت " رواه أبو داود وقال : معنى لا تقبح : لا تقل قبحك الله . وعن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه " متفق عليه . وعن ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته ، والأمير راع ، والرجل راع على أهل بيته ، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده . فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " متفق عليه . وعن طلق بن عليّ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دعا الرجل زوجته لحاجته فلتأته ، وإن كانت على التنور " رواه الترمذي والنسائي . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه ، فلم تأته ، فبات غضبان عليها ، لعنتها الملائكة حتى تصبح " متفق عليه . وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إني لأحبُّ أن أتزيّن للمرأة كما أحب أن تتزّين لي ، لأن الله يقول : { وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } . تنبيه المعروف : ما عرفته الطباع السليمة ولم تنكره ، مما قبله العقل ، ووافق كرم النفس ، وأقره الشرع . وقد قال بعض الفقهاء : لا يجب عليها خدمة زوجها في عجن وخبز وطبخ ونحوه ، لأنّ المعقود عليه منفعة البُضع ، فلا يملك غيرها من منافعها … ! ولكن مفاد الآية يردّ هذا ويدلّ على وجوب المعروف من مثلها لمثله ؛ وبه أفتى الإمام ابن تيمية وفاقاً للمالكية . وإليه ذهب أبو بكر بن أبي شيبة وأبو إسحاق الجوزجانيّ ، واحتجّا بما روي : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قضى على ابنته فاطمة بخدمة البيت وعلى ما كان خارجاً من البيت من عمل . رواه الجوزجانيّ من طرق . واستدلّ بالآية أيضاً على وجوب إخدامها ، إذا كان مثلها لا يخدم نفسها . { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } : أي : زيادة في الحق وفضيلة . كما قال تعالى : { ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ } [ النساء : 34 ] . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها " رواه الترمذيّ وقال : حديث حسن صحيح . { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } أي : غالب في انتقامه ممن عصاه ، حكيمٌ في أمره وشرعه .