Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 229-229)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَٰنٍ } الطلاق بمعنى التطليق كالسلام بمعنى التسليم ، وهو مبتدأ بتقدير مضاف ، خبره ما بعده . أي : عدد الطلاق الذي يستحق الزوج فيه الردّ والرجعة مرتان أي : اثنتان . وإيثار ما ورد به النظم الكريم عليه للإيذان بأنّ حقهما أن يقعا مرّة بعد مرّة لا دفعة واحدة ، وإن كان حكم الردّ ثابتاً حينئذ أيضاً . قال ابن كثير : هذه الآية رافعة لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام : من أنّ الرجل كان أحقّ برجعة امرأته وإن طلقها مائة مرة مادامت في العدة ، فلما كان هذا فيه ضرر على الزوجات ، قصرهم الله تعالى على ثلاث طلقات : وأباح الرجعة في المرة وثنتين ، وأبانها بالكلية في الثالثة ، فقال : { ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ … } الآية . قال الإمام أبو داود في سننه : باب نسخ المراجعة بعد الطلقات الثلاث . ثم أسند عن ابن عباس في هذه الآية قال : إن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحقّ برجعتها وإن طلقها ثلاثاً . فنسخ ذلك ، فقال : { ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ … } الآية . ورواه النسائيّ وغيره . وروى الترمذيّ عن عائشة قالت : كان الناس والرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها وهي امرأته إذا ارتجعها وهي في العدة وإن طلقها مائة مرة أو أكثر ؛ حتى قال رجل لامرأته : والله لا أطلقك فتبينين مني ولا أؤويك أبداً … ! قالت : وكيف ذاك ؟ قال : أطلقك ، فكلما همت عدتك أن تنقضي راجعتك ، فذهبت المرأة حتى دخلت على عائشة فأخبرتها ، فسكتت عائشة حتى جاء النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فسكت النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى نزل القرآن { ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ … } الآية . قالت عائشة فاستأنف الناس الطلاق مستقبلاً . من كان طلق ومن لم يكن طلق . ثم أسنده عن عروة ولم يذكر عائشة ، وقال : هو أصح ! وقوله تعالى : { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَٰنٍ } أي : فالحكم بعد تطليق الرجل امرأته تطليقتين : أنّ يمسكها بمعروف فيحسن صحابتها ، أو يسرحها بإحسان فلا يظلمها من حقها شيئاً ، ولا يذكرها بعد المفارقة بسوء ، ولا ينفر الناس عنها . قال الرازي : الحكمة في إثبات حق الرجعة : أن الإنسان ما دام يكون مع صاحبه لا يدري أنه هل تشقّ عليه مفارقته أو لا ؟ فإذا فارقه فعند ذلك يظهر ، فلو جعل الله الطلقة الواحدة مانعة من الرجوع لعظمت المشقة على الإنسان بتقدير أن تظهر المحبة بعد المفارقة ، ثم لما كان كمال التجربة لا يحصل بالمرة الواحدة ، فلا جرم أثبت تعالى حقّ المراجعة بعد المفارقة مرتين ، وعند ذلك قد جرب الإنسان نفسه في تلك المفارقة وعرف حال قلبه في ذلك الباب . فإن كان الأصلح إمساكها راجعها وأمسكها بالمعروف . وإن كان الأصلح له تسريحها سرَّحها على أحسن الوجوه . وهذا التدريج والترتيب يدل على كمال رحمته ورأفته بعبده . { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ } - أي : أيها المطلّقون - { أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً } من المهر وغيره - { إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ } أي : فيما يلزمها من حقوق الزوجية - { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ } ، أي : نفسها عن ضرره ؛ أي : لا إثم على الزوج في أخذ ما افتدت به ، ولا عليها في إعطائه . وهذه الآية أصل في الخلع . وقد ذكر ابن جرير : أنّ هذه الآية نزلت في شأن ثابت بن قيس وكانت زوجته لا تطيقه بغضاً . ففي صحيح البخاريّ عن ابن عباس : " أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس أتت النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ! ما أعيب عليه في خلق ولا دين . ولكن أكره الكفر في الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتردين عليه حديقته ؟ " قالت : نعم ! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقبل الحديقة وطلّقها تطليقة " وقد بسط طرق هذا الحديث مع أحكام الخلع الإمام ابن كثير في تفسيره ، وكذا شمس الدين ابن القيّم في زاد المعاد فلتنظره ثَمَّهْ . { تِلْكَ } - أي : الأحكام العظيمة المتقدمة للطلاق والرجعة والخلع وغيرها … { حُدُودُ ٱللَّهِ } - شرائعه - { فَلاَ تَعْتَدُوهَا } - بالمخالفة والرفض - { وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ } ، أي : لأنفسهم بتعريضها لسخط الله تعالى وعقابه . وتعقيب النهي بالوعيد للمبالغة في التهديد .