Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 25-25)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ } البشارة : الإخبار بما يظهر سرور المخبر به . ومنه البَشَرَةُ : لظاهر الجلد . وتباشير الصبح ما ظهر من أوائل ضوئه . وأما { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ آل عمران : 21 ] فمن العكس في الكلام الذي يقصد به الاستهزاء - الزائد في غيظ المستهزأ به ، وتألمه ، واغتمامه - ففيه استعارة أحد الضدين للآخر تَهكُّماً وسخرية . و { ٱلصَّـٰلِحَٰتِ } ما استقام من الأعمال أي صلح لترتب الثواب عليه . وقد أجمع السلف على أن الإيمان : قولٌ وعملٌ ، يزيد وينقص ، ثم إنه إذا أطلق دخلت في الأعمال ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " الإيمان بضع وستون شعبة - أو بضع وسبعون شعبة - أعلاها قول : لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان " . وإذا عطف عليه - كما في هذه الآية - فهنا ، قد يقال : الأعمال دخلت فيه ، وعطفت عطف الخاص على العام . وقد يقال : لم تدخل فيه ، ولكن مع العطف - كما في اسم الفقير والمسكين ، إذا أفرد أحدهما تناول الآخر ، وإذا عطف أحدهما على الآخر فهما صنفان - وهذا التفصيل في الإيمان هو كذلك في لفظ البر ، والتقوى ، والمعروف ، وفي الإثم ، والعدوان ، والمنكر ، تختلف دلالتها في الإفراد والاقتران لمن تدبر القرآن . وقد بيّن حديث جبريل أن الإيمان أصله في القلب ، وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله - كما في المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " الإسلام علانية والإيمان في القلب " . وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " ألا إن في الجسد مضغة ، إذا صلحت صلح لها سائر الجسد ، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ، ألا وهي القلب " . فإذا كان الإيمان في القلب ، فقد صلح القلب . فيجب أن يصلح سائر الجسد ، فلذلك هو ثمرة ما في القلب . فلهذا قال بعضهم : الأعمال ثمرة الإيمان . وصحته ، لما كانت لازمةً لصلاح القلب ، دخلت في الاسم . كما نطق بذلك الكتاب والسنة في غير موضع ، هذا ما أفاده الإمام ابن تيمية رحمه الله . وقوله تعالى : { أَنَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ } جمع جَنّة : وهي البستان من النخل والشجر المتكاثف المظلل بالتفاف أغصانه . وإنما سميت : " دار الثواب " بها مع أن فيها ما لا يوصف من الغرفات والقصور ، لما أنها مناط نعيمها ، ومعظم ملاذها . وجمعها مع التنكير ؛ لاشتمالها على جنان كثيرة في كلٍّ منها مراتب ودرجات متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال وأصحابها . وقوله : { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ } صفة جنات ، ثم إن أريد بها الأشجار ، فجريان الأنهار من تحتها ظاهر ، وإن أريد بها الأرض المشتملة عليها ، فلا بد من تقدير مضاف - أي من تحت أشجارها - وإن أريد بها مجموع الأرض والأشجار ، فاعتبار التحتية بالنظر إلى الجزء الظاهر المصحح لإطلاق اسم الجنة على الكل ، وإنما جيء ذكر الجنات - مشفوعاً بذكر الأنهار الجارية - لما أن أنزه البساتين ، وأكرمها منظراً ، ما كانت أشجاره مظللة ، والأنهار في خلالها مطَّردة ، وفي ذلك النعمة العظمى واللذة الكبرى . واللام في الأنهار : للجنس - كما في قولك : لفلان بستان فيه الماء الجاري - أو للعهد . والإشارة إلى ما ذكر في قوله تعالى : { فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ … } [ محمد : 15 ] الآية . { كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا } - أي : أُطعموا من تلك الجنات - { مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ } - أي : مثل الذي رزقناه من قبل هذا الذي أحضر إلينا ، فالإشارة إلى المرزوق في الجنة لتشابه ثمارها ، بقرينة قوله : { وَأُتُواْ بِهِ } - أي : أتتهم الملائكة ، والولدان برزق الجنة - { مُتَشَٰبِهاً } يشبه بعضه بعضاً لوناً ، ويختلف طعماً ، وذلك أجْلَبُ للسرور ، وأزيد في التعجب ، وأظهر للمزية ، وأبين للفضل . وترديدهم هذا القول ، ونطقهم به - عند كل ثمرة يرزقونها - دليل على تناهي الأمر في استحكام الشبه ، وأنه الذي يستملي تعجُّبهم ، ويستدعي استغرابهم ، ويفرط ابتهاجهم . فإن قيل : كيف موقع قوله : { وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً } من نظم الكلام ؟ قلت : هو كقولك : فلان أحسن بفلان ، ونعم ما فعل . ورأى من الرأي كذا ، وكان صواباً . ومنه قوله تعالى : { وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } [ النمل : 34 ] . وما أشبه ذلك من الجمل التي تساق في الكلام معترضة للتقرير . { وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ } من الحيض والاستحاضة وما يختص بهن من الأقذار والأدناس - ويجوز ، لمجيئه مطلقاً ، أن يدخل تحته الطهر من دَنَس الطباع ، وسوء الأخلاق وسائر مثالبهن وكيدهن . وقوله تعالى : { وَهُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ } هذا هو تمام السعادة ؛ فإنهم - مع هذا النعيم - في مقامٍ أمين من الموت والانقطاع ، فلا آخر له ولا انقضاء . بل في نعيمٍ سرمديٍ أبديٍ على الدوام . والله المسؤول أن يحشرنا في زمرتهم . إنه البر الرحيم . ولما ضرب تعالى - فيما تقدم - للمنافقين مثلين : في قوله : { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ … } الخ . وقوله : { أَوْ كَصَيِّبٍ … } الخ . إلى أمثال أخرى تقدمت على نزول هذه السورة ، من السور المكية ، ضربت للمشركين - نبه تعالى إلى موضع العبرة بها ، والحكمة منها ، وتضليل من لا يقدرها قدرها - ممن يتجاهل عن سِرِّها ، ويتعامى عن نورها ، ويحول دون الاهتداء بها والأخذ بسببها - فقال سبحانه : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا … } .