Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 273-273)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لِلْفُقَرَآءِ } متعلق بمحذوف ينساق إليه الكلام . أي : اجعلوا ما تنفقونه للفقراء . أو صدقاتكم للفقراء . أي المحتاجين إلى النفقة { ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي : حبسوا أنفسهم في طاعته تعالى من جهاد أو غيره { لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً } أي : ذهاباً { فِي ٱلأَرْضِ } لاكتساب أو تجارةٍ { يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ } بحالهم { أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ } أي : من أجل تعففهم عن السؤال . والتلويح به قناعة بما أعطاهم مولهم ، ورضا عنه ، وشرف نفس . { تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ } بما يظهر لذوي الألباب من صفاتهم كما قال تعالى : { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ } [ الفتح : 29 ] . وقال : { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ } [ محمد : 30 ] . وفي الحديث الذي في السنن : " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله " ، ثم قرأ : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } [ الحجر : 75 ] قاله ابن كثير . قال الغزاليّ : ينبغي أن يطلب بالفحص عن أهل الدين في كل محلة ، ويستكشف عن بواطن أحوال أهل الخير والتجمل ، ممن يكون مستتراً مخفياً حاجته لا يكثر البث والشكوى . أو يكون من أهل المروءة ممن ذهبت نعمته وبقيت عادته . فهو يتعيش في جلباب التجمل . فثوابُ صرف المعروف إليهم أضعاف ما يصرف إلى المجاهرين بالسؤال . كما ينبغي أن يطلب بصدقته من تزكو به الصدقة كأن يكون أهل علم . فإن ذلك إعانة له على العلم . والعلم أشرف العبادات مهما صحّت فيه النية . وكان ابن المبارك يخصص بمعروفه أهل العلم . فقيل له : لو عممت ! فقال : إني لا أعرف بعد مقام النبوة أفضل من مقام العلماء . فإذا اشتغل قلب أحدهم بحاجته لم يتفرغ للعلم ولم يقبل على التعلم . فتفريغهم للعلم أفضل . لطيفة السيما مقصور كالسيمة ، والسيماء والسيمياء ، ممدودين بكسرهن ، والسومة بالضم : العلامة . قال أبو بكر بن دريد : قولهم عليه : سيما حسنة ، معناه علامة . وهي مأخوذة من وسمت أسِمُ . والأصل في سيما وسمى . فحولت الواو من موضع الفاء فوضعت في موضع العين ، كما قالوا : ما أطيبه وأيطبه ، فصار سومى . وجعلت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ، قال السمين : فوزن سيما عفلا . وإذا مدت فالهمزة فيها منقلبة عن حرف زائد للإلحاق . إما واو أو ياء . فهي كعلباء ملحقة بسرداح . فالهمزة للإلحاق لا للتأنيث وهي منصرفة لذلك . انتهى . { لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً } مصدر في موضع الحال . أي : ملحفين . يقال : ألحف عليه الخ قال الزمخشري : الإلحاف : الإلحاح . وهو اللزوم . وأن لا يفارق إلا بشيء يعطاه . من قولهم : لحفني من فضل لحافه . أي : أعطاني من فضل ما عنده . قيل : معنى الآية : إن سألوا سألوا بتلطف ولم يلحوا . فيكون النفي متوجهاً إلى القيد وحده والصحيح أنه نفي للسؤال والإلحاف جميعاً . فمرجع النفي إلى القيد ومقيده كقوله : { وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } [ غافر : 18 ] وفيه تنبيه على سوء طريقة من يسأل الناس إلحافاً . واستيجاب المدح والتعظيم للمتعفف عن ذلك . وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ولا اللقمة واللقمتان إنما المسكين الذي يتعفف " ، اقرؤا إن شئتم : { لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً } [ البقرة : 273 ] " . وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي عن ابن عمر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم " وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذيّ وصححه ، والنسائي وابن حبان عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن المسَائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه . فمن شاء أبقى على وجهه ومن شاء ترك ، إلا أن يسأل ذا سلطان ، أو في أمر لا يجد منه بداً " وأخرج أحمد عن ابن عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " المسألة كدوح في وجه صاحبها يوم القيامة . فمن شاء استبقى على وجهه " وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وابن ماجة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر " وأخرج أحمد وأبو داود وابن خزيمة عن سهل بن الحنظلية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " من سال شيئاً وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من جمر جهنم " . قالوا : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يغنيه ؟ قال : " ما يغديه أو يعشيه " وأخرج مسلم والترمذي والنسائي عن عوف بن مالك الأشجعي قال : " كنا تسعة أو ثمانية أو سبعة فقال : ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقلنا علام نبايعك ؟ قال : " أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ، والصلوات الخمس ، وتطيعوا ولا تسألوا الناس " ، فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فلا يسأل أحداً يناوله إياه . وأخرج مالك وابن أبي شيبة والبخاريّ ومسلم والترمذي والنسائيّ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه " وأخرج الطبراني والبيهقي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الله يحب المؤمن من المحترف " وأخرج أحمد والطبرانيّ وأبو داود والنسائيّ عن أبي سعيد الخدري أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " من استغنى أغناه الله ، ومن استعف أعفه الله ، ومن استكفى كفاه الله ، ومن سأل وله قيمة أوقيةٍ فقد ألحف " وأخرج البخاريّ ومسلم والنسائيّ عن ابن عمر أنّ عمر قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول : أعطه من هو أفقر إليه مني . فقال : " خذه ، إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه فتموله ، فإن شئت كله وإن شئت تصدق به ، وما لا ، فلا تتبعه نفسك " " . قال سالم بن عبد الله : فلأجل ذلك كان عبد الله لا يسأل أحداً شيئاً ولا يرد شيئاً أعطيهُ . { وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ } أي : ولو على الملحين وعلى من لم يتحقق فقرهم أو لم تشتد حاجتهم { فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } أي : بأن ذلك الإنفاق له أو لغيره ، فيجازي بحسبه . ثم أشار تعالى إلى أنه لا يختص الإنفاق بوقتٍ أو حالٍ بقوله : { ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ … } .