Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 29-29)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } بيان نعمةٍ أخرى مرتبةٍ على الأولى ، فإنها خلقهم أحياء قادرين مرة بعد أخرى . وهذه خلق ما يتوقف عليه بقاؤهم ، ويتم به معاشهم . ومعنى { لَكُمْ } لأجلكم ، ولانتفاعكم . وفيه دليل على أن الأصل في الأشياء المخلوقة الإباحة حتى يقوم دليل يدل على النقل عن هذا الأصل . ولا فرق بين الحيوانات وغيرها ، مما ينتفع به من غير ضرر . وفي التأكيد بقوله : { جَمِيعاً } أقوى دلالة على هذا . { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ } قال أبو العالية الرياحي : استوى إلى السماء أي : ارتفع . نقله عنه البخاري في صحيحه ، ورواه محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن الربيع بن أنس . وقال البغوي : قال ابن عباس وأكثر المفسرين : ارتفع إلى السماء . وقال الخليل بن أحمد في { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ } : ارتفع . رواه أبو عمر ابن عبد البر في شرح الموطأ ، نقله الذهبي في كتاب العلو - . وقد استدل بقوله : { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ } على أن خلق الأرض متقدم على خلق السماء ، وكذلك الآية التي في ( حم السجدة ) ، وقوله تعالى في سورة ( النازعات ) : { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } [ النازعات : 30 ] الآية . إنما يفيد تأخر دحوها ، لا خلق جرمها ، فإن خلق الأرض وتهيئتها - لما يراد منها - قبل خلق السماء . ودحوها بعد خلق السماء . الدحو : هو البسط ، وإنبات العشب منها ، وغير ذلك . مما فسره قوله تعالى : { أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا } [ النازعات : 31 ] الآية - وكانت قبل ذلك خربة وخالية . على أن " بعد " تأتى بمعنى " مع " كقوله : { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } [ القلم : 13 ] أي : مع ذلك ، فلا إشكال . وتقديم الأرض - هنا - لأنها أدل لشدة الملابسة والمباشرة . { فَسَوَّٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ } أي : صيرهن ، كما في آية أخرى : { فَقَضَٰهُنَّ } [ فصلت : 12 ] . تنبيه قال بعض علماء الفلك : السماوات السبع - المذكورة كثيراً في القرآن - هي هذه السيارات السبع . وإنما خصت بالذكر - مع أن السيارات أكثر من ذلك - لأنها أكبر السيارات وأعظمها ؛ على أن القرآن الكريم لم يذكرها في موضع واحد - على سبيل الحصر - فلا ينافي ذلك أنها أكثر من سبع . وقال بعض علماء اللغة : إن العرب تستعمل لفظ سبع ، وسبعين ، وسبعمائة للمبالغة في الكثرة . فالعدد إذن غير مراد . ومنه آية : { سَبْعَ سَنَابِلَ } [ البقرة : 261 ] وآية { وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ } [ لقمان : 27 ] وآية { سَبْعِينَ مَرَّةً } [ التوبة : 80 ] والله أعلم . وذهب بعض علماء الفلك إلى أن الحصر في السبع حقيقي ، وأن المراد به العالم الشمسي وحده دون غيره . وعبارته : إن قيل : إن كلَّ ما يعلو الأرض - من الشمس والقمر والكواكب هو سماء ، فلماذا خصص تعالى عدداً هو سبع ؟ فالجواب : لا شك أنه يشير إلى العالم الشمسي - الذي أحطنا الآن به علماً - وأن حصر العدد لا يدل على احتمال وجود زيادة عن سبع ، لأن القول بذلك ، يخرج تطبيق القرآن على الفلك ، لأن العلم أثبتها سبعاً كالقرآن الذي لم يوجد فيه احتمال الزيادة - لأن الجمع يدخل فيه جميع العوالم التي لا نهاية لها - حتى يمكن أن يقال : إن سبعاً للمبالغة - كسبعين وسبعمائة - ولا يصح أن يكون العدد سبعة للمبالغة لأنه قليل جداً بالنسبة إلى العوالم التي تعد بالملايين - مثل العالم الشمسي - ويؤيد الحصر في هذا العدد آيةُ : { أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ ٱللَّهُ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً * وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجاً } [ نوح : 15 - 16 ] فأخرج الشمس لأنها مركز ، وأخرج القمر لأنه تابع للأرض ، ولم يبق بعد ذلك إلا سبع … ! قال : وبذلك تتجلى الآن معجزة واضحة جليّة ، لأنه في عصر التقدم والمدنية العربية ، حينما كان العلم ساطعاً على الأرض بعلماء الإسلام ، كان علماء الفلك لا يعرفون من السيارات إلا خمساً - بأسمائها العربية إلى اليوم - وهي : عطارد ، الزهرة ، المريخ ، المشتري ، زحل . وكانوا يفسرونها بأنها هي السماوات المذكورة في القرآن . ولما لم يمكنهم التوفيق بين السبع والخمس ، أضافوا الشمس والقمر لتمام العدد . مع أنَّ القرآن يصرح بأن السماوات السبع غير الشمس والقمر . وذلك في قوله تعالى : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى } [ الرعد : 2 ] فلفظ { وَسَخَّرَ } دليل يفصل تعداد الشمس والقمر عن السبع السماوات . ولذلك كان المفسرون - الذين لا يعرفون الهيئة - لا يرون أن تعد الشمس سماءً ، ولا القمر ، لعلمهم أن السماوات السبع مسكونة ، وأما الشمس فنارٌ محرقة . فذهبوا - في تفسير السماوات - على تلك الظنون . ولما اكتشف بعد ( بالتلسكوب ) سيّارٌ لم يكن معلوماً ، دعوه " أورانوس " ثم سيّارٌ آخر سموه " نبتون " - صارت مجاميع السيارات سبعاً ، فهذا الاكتشاف - الذي ظهر بعد النبي صلى الله عليه وسلم بألف ومائتي سنة - دل على معجزة القرآن ، ونبوة المنزَّل عليه صلى الله عليه وسلم . ثم قال : وأما كون السماوات هي السيارات السبع بدون توابعها ، فلا يفهم من الآية ، لأن الأقمار التي نثبتها ، والنجوم الصغيرة التي مع المريخ ، يلزم أن تكون تابعة للسماوات السبع - لأنها تعلونا - وهي في العالم الشمسي . وحينئذٍ ، فالسماوات السبع هي مجاميع السيارات السبع . بمعنى : أن مجموعة زحل - بما فيها هو نفسه أي مع أقماره الثمانية - تعد سماءً ، لأن فلكها طبقة فوق طبقة فلك مجموعة المشتري ، ويدل على هذا التطبيق قوله تعالى : { وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَجَعَلْنَٰهَا رُجُوماً لِّلشَّيَٰطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ } [ الملك : 5 ] يشير إلى أن السماء الدنيا - أي : السماء التي تلي الأرض - فلك المريخ . فهو وما حوله من النجوم العديدة التي تسمى مصابيح ، وتعتبر كلها سماء ، وليس السيّار نفسه … ! انتهى . وقوله تعالى : { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } اعتراض تذييلي مقرر لما قبله - من خلق السماوات والأرض وما فيها - على هذا النمط البديع المنطوي على الحكم الفائقة ، والمصالح اللائقة . فإن علمه عز وجل بجميع الأشياء يستدعي أن يخلق كل ما يخلقه على الوجه الرائق . ولما ذكر تعالى الحياة والموت - المشاهدَيْن - تنبيهاً على القدرة على ما اتبعهما به من البعث ، ثم دل على ذلك أيضاً بخلق هذا الكون كله على هذا النظام البديع ، وختم ذلك بصفة العلم - ذكر ابتداء خلق هذا النوع البشري - المودع من صفة العلم - ما ظهر به فضله بقوله : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ … } .