Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 2-2)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي : هذا القرآن لا شك أنه من عند الله تعالى كما قال تعالى في السجدة : { الۤـمۤ * تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ السجدة : 1 - 2 ] . قال بعض المحققين : اختصاص ذلك بالإشارة للبعيد حكم عرفيّ لا وضعي ، فإن العرب تعارض بين اسمي الإشارة . فيستعملون كلاً منهما مكان الآخر ، وهذا معروف في كلامهم . وفي التنزيل من ذلك آيات كثيرة . ومن جرى على أن ذلك إشارة للبعيد يقول : إنما صحت الإشارة بذلك ، هنا إلى ما ليس ببعيد ، لتعظيم المشار إليه ، ذهاباً إلى بُعد درجته وعلوّ مرتبته ومنزلته في الهداية والشرف . والريب في الأصل : مصدر رابني إذا حصل فيك الريبة . وحقيقتها : قلق النفس واضطرابها . ثم استعمل في معنى الشك مطلقاً ، أو مع تهمة ؛ لأنه يقلق النفس ويزيل الطمأنينة . وفي الحديث : " دع ما يريبك إلى ما لا يَريبُك " . ومعنى نفيه عن الكتاب : أنه في علوّ الشأن ، وسطوع البرهان ، بحيث ليس فيه مظنة أن يُرتاب في حقيقته ، وكونه وحياً منزلاً من عند الله تعالى . والأمر كذلك ؛ لأن العرب ، مع بلوغهم في الفصاحة إلى النهاية ، عجزوا عن معارضة أقصر سورة من القرآن . وذلك يشهد بأنه بلغت هذه الحجة في الظهور إلى حيث لا يجوز للعاقل أن يرتاب فيه ، لا أنه لا يرتاب فيه أحد أصلا . { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } أي : هادٍ لهم ودال على الدين القويم المفضي إلى سعادتي الدارين . قال الناصر في الانتصاف : الهدى يطلق في القرآن على معنيين : أحدهما : الإرشاد وإيضاح سبيل الحق . ومنه قوله تعالى : { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } [ فصلت : 17 ] ، وعلى هذا يكون الهدى للضالّ باعتبار أنه رشد إلى الحق ، سواء حصل له الاهتداء أو لا . والآخر : خلق الله تعالى الاهتداء في قلب العبد ، ومنه : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } [ الأنعام : 90 ] . فإذا ثبت وروده على المعنيين فهو في هذه الآية يحتمل أن يراد به المعنيان جميعاً . وعلى الأول ، فتخصيص الهدى بالمتقين للتنويه بمدحهم حتى يتبين أنهم هم الذين اهتدوا وانتفعوا به ، كما قال تعالى : { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَٰهَا } [ النازعات : 45 ] . وقال : { إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ } [ يس : 11 ] . وقد كان صلى الله عليه وسلم منذراً لكل الناس ، فذكر هؤلاء لأجل أنهم هم الذين انتفعوا بإنذاره . وهذه الآية نظير آية : { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } [ فصلت : 44 ] ، { وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً } [ الإسراء : 82 ] . وكقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } [ يونس : 57 ] . إلى غير ذلك ، مما دلّ على أن النفع به لا يناله إلا الأبرار ، والمراد بالمتقين - هنا - من نعتهم الله تعالى بقوله : { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ … } . _ _