Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 3-3)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ } أي : يصدقون : { بِٱلْغَيْبِ } الغيب في الأصل مصدر غاب ، بمعنى استتر واحتجب وخفي ، وهو بمعنى الفاعل - كالزور للزائر - أُطلق عليه مبالغة ، والمراد به ما لا يقع تحت الحواس ، ولا تقتضيه بداهة العقول ، وإنما يعلم بخبر الأنبياء عليهم السلام . والمعنى يؤمنون بما لا يتناوله حسّهم ، كذاته تعالى ، وملائكته ، والجنة ، والنار ، والعرش والكرسي ، واللوح ونحوها . { وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ } أي : يؤدّونها بحدودها وفروضها الظاهرة والباطنة ، كالخشوع والمراقبة وتدبر المتلوّ والمقروء . قال الراغب : إقامة الصلاة توفية حدودها ، وإدامتها ، وتخصيص الإقامة تنبيه على أنه لم يُرِد إيقاعها فقط . ولهذا ، لم يأمر بالصلاة ولم يمدح بها إلا بلفظ الإقامة نحو { أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ } [ هود : 114 ، الإسراء : 78 ، وطه : 14 ، والعنكبوت : 45 ] ، وقوله : { وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ } [ النساء : 162 ] ، و { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ } [ المائدة : 55 ] . ولم يقل : المصلي ، إلا في المنافقين { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } [ الماعون : 4 - 5 ] ، وذلك تنبيه على أن المصلين كثير والمقيمين لها قليل - كما قال عمر رضي الله عنه : الحاج قليل والركب كثير - ولهذا قال عليه السلام : " من صلى ركعتين مقبلاً بقلبه على ربه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " فذكر مع قوله : " صلى " الإقبال بقلبه على الله تنبيهاً على معنى الإقامة ، وبذلك عظم ثوابه . وكثير من الأفعال التي حث تعالى على توفية حقه ، ذكره بلفظ الإقامة ، نحو : { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ } [ المائدة : 66 ] ونحو : { وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ } [ الرحمن : 9 ] تنبيهاً على المحافظة على تعديله . انتهى . فالإقامة من أقام العود إذا قوّمه ، و " الصلاة " فعلة من صلّى إذا دعا ، كـ " الزكاة " من زكى - وإنما كتبتا بالواو مراعاة للفظ المفخّم - وإنما سمي الفعل المخصوص بها لاشتماله على الدعاء . { وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } أي : يؤتون مما رزقناهم من الأموال من شرع لهم إيتاؤه والإنفاق عليه من الفقراء والمساكين وذوي القربى واليتامى وأمثالهم ، على ما بيّن في آيات كثيرة .