Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 57-57)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقْنَٱكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } . لما ذكر تعالى ما دفعه عنهم من النقم شرع يذكرهم أيضاً بما أسبغ عليهم من النعم ، فمنها تظليل الغمام عليهم ؛ وذلك أنهم كانت تظلهم سحابة إذا ارتحلوا ، لئلا تؤذيهم حرارة الشمس . وقد ذكر تفصيل شأنها في توراتهم في الفصل التاسع من سفر العدد ، ومنها إنزال المن . وقد روي في التوراة أنهم لما ارتحلوا من إيليم وأتوا إلى برية سين ، التي بين إيليم وسيناء ، في منتصف الشهر الثاني بعد خروجهم من مصر ، تذمروا على موسى وهارون في البرية ، وقالوا لهما : ليتنا متنا في أرض مصر إذ كنا نأكل خبزاً ولحماً ، فأخرجتمانا إلى هذه البرية لتُهْلِكا هذا الجمع بالجوع . فأوحى تعالى لموسى عليه السلام إني أمطر عليكم خبزاً من السماء ، فليخرج الشعب ، ويلتقطون حاجة اليوم بيومها طعامهم من أجل أني أمتحنهم ، هل يمشون في شريعتي أم لا ، وليكونوا في اليوم السادس أنهم يهيئون ضعف ما يلتقطونه يوماً فيوماً . لأن اليوم السابع يوم عيد لا يُشخص فيه لأمر المعيشة ولا لطلبة شيء . فقال لهم موسى : إن الرب تعالى يعطيكم عند المساء لحماً تأكلون ، وبالغداة تشبعون خبزاً . فكان في المساء أن السلوى صعدت وغطت المحلة ، وبالغداة أيضاً وقع الندى حول المحلة . ولما غطى وجه الأرض تباين في البرية شيء رقيق كأنه مدقوق بالمدقة ، يشبه الجليد على الأرض . فلما نظر إليه بنو إسرائيل قالوا : ما هذا ؟ لأنهم لم يعرفوه . فقال لهم موسى : هذا هو الخبز الذي أعطاكم الرب لتأكلوا . وقد أمركم أن يلقط كل واحد على قدر ما في بيته ، وقدر مأكله . ففعل بنو إسرائيل كذلك ولقطوا ما بين مكثِّر ومقلِّل ، وقال لهم موسى : لا تُبْقُوا منه شيئاً إلى الغد . فلم يطيعوا موسى ، واستفضل منه رجال إلى الغد ؛ فضرب فيه الدود ونتن . فغضب عليهم موسى ، وكانوا يلقطون غدوة ؛ كل إنسان يلقط على قدر ما يأكل ، فإذا أصابه حر الشمس ذاب . وقد أُعطوا في اليوم السادس خبز يومين ليجلس كل رجل منهم في مكانه في اليوم السابع ، راحةً وتقديساً له . وكان إذا خرج بعض الشعب ليلقط ، يوم السابع ، لا يجد في الأرض منه شيئاً . ودعا آل إسرائيل اسمه المنّ . وكان مثل حب الكُزْبُرَة أبيض ، وطعمه كرقاق بعسل ، وأكل بنو إسرائيل المن أربعين سنة حتى أتو إلى الأرض العامرة ودنوا من تخوم أرض كنعان . وروي في ترجمة التوراة أيضاً أن المن كان يشبه لون اللؤلؤ ، وكان يطوف الشعب ويلتقطونه ويطحنونه بالرحى . ويدقونه في الهاون ويطبخونه في القدور ، ويعملون منه رغفاً طعمها كالخبز المعجون بالدهن . ومتى نزل الندى على المحلة ليلاً كان ينزل المن معه . ا . هـ . هذا ما كان من أمر المن . وأما السلوى فروي أيضاً : أن جماعة ممن صعد مع بني إسرائيل من مصر تاقت أنفسهم للحم وجلسوا يبكون ، ووافقهم بنو إسرائيل على اشتهائه أيضاً . وقالوا : من يطعمنا لحماً لنأكل ؟ قد تذكرنا السمك الذي كنا نأكله بمصر من غير ثمن ، والقثاء والبطيخ والكراث والبصل والثوم ، والآن قد يبست نفوسنا ولا تنظر عيوننا إلا المنَّ . فلما سمع موسى الشعب يبكون بعشائرهم ، وعلم غضب الرب عليهم ؛ لذلك ، ابتهل إلى ربه وقال : من أين لي لحم أطعم منه هذا الجمع وهم يبكون عليّ ويقولون : أعطنا لحماً لنأكل ؟ فأوحى إليه ربه أن يجمع سبعين رجلاً من شيوخ شعبه وعرفائه ، ويقبل بهم إلى خيمة الاجتماع فيكونوا معه . ثم كلمه ربه ووعده أن يعطيه لحماَ يأكلون منه شهراً حتى يأنفوا منه . فأخبر موسى الشَّعب بذلك ، ثم انحاز إلى المحلة هو وشيوخ قومه ، فخرجت ريح وحملت السلوى من البحر وألقتها على المحلة مسيرة يوم حول المحلة من كل جانب ، وكانت تطير بالجو ذراعين على الأرض وقام الشعب يومهم ذلك كله ، والليل ، وفي غد اليوم الثاني ، فجمعوا السلوى أقل من جمع عشرة أكرار . سطحوه سطيحاً ويبسوه حول المحلة . وقبل أن ينقطع اللحم من عندهم غضب الرب تعالى على الشعب ، فضربه ضربة عظيمة جداً ، ودعى اسم ذلك الموضع قبور الشهوة ، لأنهم هناك دفنوا القوم الذين اشتهوا ، ثم خرجوا من قبور الشهوة وارتحلوا لغيره . انتهى . وقوله تعالى : { كُلُواْ } على إدارة القول أي قائلين لهم أو قيل لهم : كلوا . وقوله : { وَمَا ظَلَمُونَا } كلام عدل به عن نهج الخطاب السابق للإيذان باقتضاء جنايات المخاطبين للإعراض عنهم وتعداد قبائحهم عند غيرهم على طريق المباثة . معطوف على مضمر قد حذف للإيجاز ، والإشعار بأنه أمر محقق غني عن التصريح به . أي : فظلموا بأن أكثروا من التضجر والتذمر على ربهم وشكوى سكناهم في البرية وفراقهم مصر . وما ظلمونا بذلك ، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ، بالعصيان . إذ لا يتخطاهم ضرره وبذلك حق عليهم العذاب الذي ضربوا به كما ذكرناه .