Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 73-73)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ } أي : المقتول { بِبَعْضِهَا } أي : البقرة . يعني فضربوه فحيى وأخبر بقاتله . كما دل عليه قوله : { كَذَلِكَ } أي : مثل هذا الإحياء العظيم على هذه الهيئة الغريبة { يُحْيِي ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ } يوم القيامة { وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ } أي : دلائله الدالة على أنه تعالى على كل شيء قدير . ويجوز أن يراد بالآيات هذا الإحياء . والتعبير عنه بالجمع لاشتماله على أمور بديعة من ترتب الحياة على عضو ميت ، وإخباره بقاتله ، وما يلابسه من الأمور الخارقة للعادة { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } لتكونوا برؤية تلك الآيات على رجاء من أن يحصل لكم عقل ، فيرشدكم إلى اعتقاد البعث وغيره ، مما تخبر به الرسل عن الله تعالى . قال الراغب : وقوله : { كَذَلِكَ يُحْيِي ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ } قيل هو حكاية عن قول موسى عليه السلام لقومه ، وقيل بل هو خطاب من الله تعالى لهذه الأمة ، تنبيهاً على الاعتبار بإحيائه الموتى . تنبيهات الأول : قال الزمخشري : فإن قلت : فما للقصة لم تقص على ترتيبها ، وكان حقها أن يقدم ذكر القتيل والضرب ببعض البقرة على الأمر بذبحها ؟ فيقال : وإذ قتلتم نفساً فادارأتم فيها ، فقلنا اذبحوا بقرة واضربوه ببعضها ؟ أجيب : بأن كل ما قص من قصص بني إسرائيل ، إنما قص تعديداً لما وجد منهم من الجنايات ، وتقريعاً لهم عليها ، ولما جدد فيهم من الآيات العظام . وهاتان قصتان كل واحدة منهما مستقلة بنوع من التقريع وإن كانتا متصلتين متحدتين ، فالأولى لتقريعهم على الاستهزاء ، وترك المسارعة إلى الامتثال وما يتبع ذلك . والثانية : للتقريع على قتل النفس المحرمة وما يتبعه من الآية العظيمة ، وإنما قدمت قصة الأمر بذبح البقرة على ذكر القتيل ، لأنه لو عمل على عكسه لكانت قصة واحدة ، ولذهب الغرض في تثنية التقريع . ولقد روعيت نكتة ، بعد ما استؤنفت الثانية ، استئناف قصة برأسها أن وصلت بالأولى دلالة على اتحادهما بضمير البقرة لا باسمها الصريح في قوله : { ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا } ، حتى تبين أنهما قصتان فيما يرجع إلى التقريع ، وتثنيته بإخراج الثانية مخرج الاستئناف مع تأخيرها . وأنها قصة واحدة بالضمير الراجع إلى البقرة . ا . هـ . وقال الحراليّ : قدم نبأ قول موسى عليه السلام على ذكر ندائهم في القتيل ، ابتداء بأشرف القصدين من معنى التشريع الذي هو القائم على أفعال الاعتداء وأقوال الخصومة والله أعلم . التنبيه الثاني : قال الراغب : قد استبعد بعض الناس ذلك وما حكاه الله منه ، وأنكر حصول ذلك الفعل على الحقيقة وقال : ذلك ممتنع من حيث الطبيعة ، وأيضاً فإن ذلك لا يعرف فيه حكمة إلهية . فأما استبعاده ذلك من حيث الطبيعة فإنما هو استبعاد للإحياء والنشور ، ولذلك موضع لا يختص بالتفسير . ومن كان ذلك طريقته فلا خوض معه في تفسير القرآن . وأما الحكمة فيه فظاهرة إذ هو من المعجزات المحسوسة الباهرة للعقول . وأما تخصيص البقرة ، فإن كثيراً من حكمة الله تعالى لا يمكن للبشر الوقوف عليه ، ولو لم يكن في تخصيص بقرة على وصف مخصوص إلا توافر المأمورين بذلك على طلبها ، واستيجاب الثواب في بذل ثمنها ، وجلب نفع توفر إلى صاحبها - لكان في ذلك حكمة عظيمة . وفي الآية تنبيه على أن الجماعة التي حكمهم واحد يجوز أن ينسب الفعل إليهم وإن كان واقعاً من بعضهم ، ولا يكون ذلك كذباً ، كأن الجملة المركبة من شخص واحد يصح أن ينسب إليها ما وقع من عضو منها . وقد ذكر أكثر المفسرين قصة البقرة وصاحبها بروايات مختلفة لم نورد شيئاً منها لأنه لم يرو بسند صحيح إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ولا يتعلق به كبير فائدة ، كما أن البعض من البقرة لم يجئ من طريق صحيح عن معصومٍ بيانُه . فنحن نبهمه كما أبهمه الله تعالى ، إذ ليس في تعيينه لنا فائدة دينية ولا دنيوية . وإن كان معيناً في نفس الأمر ، وأيّاً كان فالمعجزة حاصلة به .