Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 75-75)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَفَتَطْمَعُونَ } أيها المؤمنون بعد أن علمتم تفاصيل شؤون أسلافهم المؤيسة عنهم { أَن يُؤْمِنُواْ } أي : هؤلاء اليهود الذين بين أظهركم وهم متماثلون في الأخلاق الذميمة ، لا يأتي من أخلافهم إلا مثل ما أتى من أسلافهم . واللام في قوله : { لَكُمْ } لتضمن معنى الاستجابة كما في قوله عز وجل : { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ } [ العنكبوت : 26 ] أي : في إيمانهم مستجيبين لكم . أو للتعليل أي في أن يحدثوا الإيمان لأجل دعوتكم { وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ } أي : طائفة فيمن سلف منهم { يَسْمَعُونَ كَلاَمَ ٱللَّهِ } وهو ما يتلونه من التوراة { ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ } قال ابن كثير : أي يتأولونه على غير تأويله . وقال ابن جرير : يعني بقوله : { يُحَرِّفُونَهُ } يبدلون معناه وتأويله ويغيرونه ، أصله من انحراف الشيء عن جهته وهو ميله عنها إلى غيرها . فكذلك قوله : { يُحَرِّفُونَهُ } أي : يميلونه عن وجهه ، ومعناه الذي هو معناه ، إلى غيره . { مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ } أي : فهموه على الجلية ، ومع هذا يخالفونه على بصيرة { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أنهم مخطئون فيما ذهبوا إليه من تحريفه وتأويله . قال ابن جرير : هذا إخبار عن إقدامهم على البهت ومناصبتهم العداوة له ولرسوله موسى عليه السلام ، وأن بقاياهم في العصر المحمدي على مثل ما كان عليه أوائلهم في العصر الموسوي بغيا وحسداً . وهذا المقام شبيه بقوله تعالى : { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ } [ المائدة : 13 ] والظاهر أن المراد ، بالفريق منهم ، أحبارهم ، وإنما فعلوا ذلك لضرب من الأغراض على ما بينه الله تعالى ، من بعدُ ، في قوله تعالى : { وَٱشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً } [ آل عمران : 187 ] ، وقال : { يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ } [ البقرة : 146 ، والأنعام : 20 ] . ولقائلٍ أن يقول ، كيف يلزم من إقدام البعض على التحريف حصول اليأس من إيمان الباقين ، فإن عناد البعض لا ينافي إقرار الباقين ؟ وأجاب القفال عنه فقال : يحتمل أن يكون المعنى : كيف يؤمن هؤلاء ، وهم إنما يأخذون دينهم ، ويتعلمونه من قوم هم يتعمدون التحريف عناداً ، فأولئك إنما يعلمونهم ما حرفوه وغيروه عن وجهه ، والمقلدة لا يقبلون إلا ذلك ، ولا يلتفتون إلى أقوال أهل الحق ، وهو قولك للرجل : كيف تفلح ، وأستاذك فلان ؟ أي وأنت عنه تأخذ ، ولا تأخذ عن غيره . ونحوه قول الراغب : لما كان الإيمان هو العلم الحقيقي مع العمل بمقتضاه ، فمتى لم يتحر ذلك من حصل له بعض العلوم ، فحقيق ألا يحصل لمن غَبِيَ عن كل العلوم . فذكر ذلك تبعيداً لإيمانهم لا يأساً للحكم بذلك ، إذ ليس كل ما لا يطمع فيه كان مأيوساً . ثم قال الراغب : وفي الآية تنبيه أن ليس المانع للإنسان من تحرى الإيمان الجهل به فقط ، بل يكون عناداً وغلبة شهوة . تنبيه ما نقلناه عن ابن جرير وابن كثير في تفسير { ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ } هو الأنسب باعتبار سوق الآية الكريمة ، ولا يتوهم من ذلك دفع تحريفهم اللفظي عن التوراة ، فإنه واقع بلا ريب ، فقد بدلوا بعضاً منها وحرفوا لفظة ، وأوّلوا بعضا منها بغير المراد منه ، وكذا يقال في الإنجيل . ويشهد لذلك كلام أحبارهم ، فقد نقل العلامة الجليل الشيخ رحمه الله الهندي في كتابه " إظهار الحق " : أن أهل الكتاب سلفاً وخلفاً ، عادتهم جارية بأنهم يترجمون غالباً الأسماء في تراجمهم ، ويوردون بدلها معانيها ، وهذا خبط عظيم ومنشأ للفساد ، أنهم يزيدون تارة شيئاً بطريق التفسير في الكلام ، الذي هو كلام الله في زعمهم ، ولا يشيرون إلى الامتياز ، وهذان الأمران بمنزلة الأمور العادية عندهم . ومن تأمل في تراجمهم المتداولة بألسنة مختلفة وجد شواهد تلك الأمور كثيرة . ثم ساق بعضاً منها فانظره . وفي ذخيرة الألباب ، لأحد علماء النصارى ، ما مثاله : إن بعضهم ذهب إلى أن الروح القدس لم يق الكتبة عثرة الخطأ الطفيف ، ولا كفاهم زلة القدم حتى لم يَسْتَحِلْ أنهم خلطوا البشريات بالإلهيات . وفيه أيضاً : إن بين النسخة العبرانية والسامرية واليونانية من الأسفار الخمسة خلافاً عظيماً في أمر التاريخ . فإذاً تحريف الأسفار الخمسة أمر بَيّنٌ . وفيه أيضاً في الفصل ( 31 ) : أن بعض علمائهم زعم أنه وجد في الترجمة اللاتينية العامية للعهدين العتيق والجديد نيفاً وأربعة آلاف غلطة ، ورأى آخر فيها ما يزيد على الثمانية آلاف خطأ . انتهى . فثبت من شهادتهم وقوع التحريف اللفظي فيها . وهو المقصود . وأما القول بتحريف الأسفار كلها أو جلها ، فهو إفراط . قال الحافظ ابن حجر : في آواخر شرح الصحيح في باب قول الله تعالى : { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ } [ البروج : 21 ] : إن القول بأنها بدلت كلها مكابرة . والآيات والأخبار كثيرة في أنه بقي منها أشياء كثيرة لم تبدل . من ذلك قوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ } [ الأعراف : 157 ] الآية . ومن ذلك قصة رجم اليهوديين وفيه وجود آية الرجم ويؤيده قوله تعالى : { قُلْ فَأْتُواْ بِٱلتَّوْرَاةِ فَٱتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ آل عمران : 93 ] . وقد أسلفنا تتمة هذا البحث في مقدمة التفسير في الكلام على الإسرائيليات . فارجع إليه . ثم أخبر تعالى ، عن تخلق أولئك المأيوس من إيمانهم من اليهود بأخلاق المنافقين وسلوكهم منهاجهم ، بقوله تعالى : { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ … } .