Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 83-83)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } ثم بين الميثاق بقوله تعالى : { لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ } وهو إخبار في معنى النهي ، كقوله تعالى : { وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ } [ البقرة : 282 ] وكما تقول : تذهب إلى فلان وتقول له كذا ، وهو أبلغ من صريح الأمر والنهي ، وقد بدئ بأعلى الحقوق وأعظمها ، وهو حق الله تبارك وتعالى . أن يُعبد وحدَه ولا يشرك به شيئاً . وبهذا أمر جميع خلقه . ولذلك خلقهم ، كما قال تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيۤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ } [ الأنبياء : 25 ] . وقال تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ } [ النحل : 36 ] . { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } والإحسان نهاية البر ، فيدخل فيه جميع ما يجب من الرعاية والعناية ، وقد أكد الله الأمر بإكرام الوالدين ، حتى قرن تعالى الأمر بالإحسان إليهما ، بعبادته التي هي توحيده ، والبراءة عن الشرك ، اهتماماً به وتعظيماً له . قال حكيم مصر في تفسيره : العلة الصحيحة في وجوب هذا الإحسان على الولد ، هي العناية الصادقة التي بذلاها في تربيته والقيام بشؤونه أيام كان ضعيفاً عاجزاً جاهلاً . لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع عنها ضرراً . وكانا يحوطانه بالعناية والرعاية ، ويكفلانه ، حتى يقدر على الاستقلال والقيام بشأن نفسه ، فهذا هو الإحسان الذي يكون منهما ، عن علمٍ واختيارٍ ، بل مع الشغف الصحيح والحنان العظيم ، وما جزاء الإحسان إلا الإحسان . وإذا وجب على الإنسان أن يشكر ، لكل من يساعده على أمر عسير ، فضله ، ويكافئه بما يليق به على حسب الحال في المساعد ؛ وما كانت به المساعدة ، فكيف لا يجب أن يكون الشكر للوالدين بعد الشكر لله تعالى ، وهما اللذان كانا يساعدانه على كل شيء ، أيام كان يتعذر عليه كل شيء . ا . هـ . { وَذِي ٱلْقُرْبَىٰ } أي : القرابة . قال الأستاذ الحكيم : الإحسان هو الذي يقوي غرائز الفطرة ، ويوثق الروابط الطبيعية ، حتى تبليغ البيوت ، في وحدة المصلحة ، درجةَ الكمال . والأمة تتألف من البيوت ، أي : العائلات ، فصلاحها صلاحها . ومن لم يكن له بيت لا تكون له أمة ، وذلك أن عاطفة التراحم وداعية التعاون إنما تكونان على أشدهما وأكملهما في الفطرة بين الوالديْن والأولاد . ثم بين سائر الأقربين ، فمن فسدت فطرته حتى لا خير فيه لأهله ، فأي خير يرجى منه للبعداء والأبعدين ؟ ومن لا خير فيه للناس لا يصلح أن يكون جزءاً من بنية أمته ، لأنه لم تنفع فيه اللحمة النسبية التي هي أقوى لحمة طبيعية تصل بين الناس ، فأي لحمة بعدها تصله بغير الأهل فتجعله جزءاً منهم ، يسره ما يسرهم ويؤلمه ما يؤلمهم ويرى منفعتهم عين منفعته ، ومضرتهم عين مضرته ؟ قضى نظام الفطرة بأن تكون نعرة القرابة أقوى من كل نعرة ، وصلتها أمتن من كل صلة . فجاء الدين يقدم حقوق الأقربين على سائر الحقوق . وجعل حقوقهم على حسب قربهم من الشخص ، ثم ذكر تعالى حقوق أهل الحاجة من سائر الناس فقال سبحانه : { وَالْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ } ، اليتامى جمع يتيم ، وهو من مات أبوه وهو صغير ، قدم تعالى الوصية به على الوصية بالمسكين ، ولم يقيدها بفقر ولا مسكنة ، فعُلِمَ أنها مقصودة لذاتها ، وقد أكد تعالى في الوحي الوصية باليتيم . وفي القرآن والسنة كثير من هذه الوصايا ، وحسبك أن القرآن نهى عن قهر اليتيم وشدد الوعيد على أكل ماله تشديداً خاصاًَ ، والسرّ في ذلك هو كون اليتيم لا يجد في الغالب ، من تبعثه عاطفة الرحمة الفطرية على العناية بتربيته والقيام بحفظ حقوقه والعناية بأموره الدينية والدنيوية . فإن الأم ، إن وجدت ، تكون في الأغلب عاجزة ، لاسيما إذا تزوجت بعد أبيه . فأراد الله تعالى ، وهو أرحم الراحمين ، بما أكد من الوصية بالأيتام ، أن يكونوا من الناس بمنزلة أبنائهم . يربونهم تربية دينية دنيوية ، لئلا يفسدوا ويفسد بهم غيرهم ؛ فينتشر الفساد في الأمة فتنحل انحلالاً ، فالعناية بتربية اليتامى هي الذريعة لمنع كونهم قدوة سيئة لسائر الأولاد ، والتربية لا تتيسر مع وجود هذه القدوة ، فإهمال اليتامى إهمال لسائر أولاد الأمة . وأما المساكين : فلا يراد بهم هؤلاء السائلون الشحاذون المُلْحِفون الذين يقدرون على كسب ما يفي بحاجاتهم ، أو يجدون ما ينفقون ولو لم يكتسبوا . إلا أنهم قد اتخذوا السؤال حرفة يبتغون بها الثروة من حيث لا يعملون عملاً ينفع الناس . ولكن المسكين من يعجز عن كسب ما يكفيه . ا . هـ . { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } أي : قولاً حسناً . أي : كلموهم طيباً ولينوا لهم جانباً . وفيه من التأكيد والتخصيص على إحسان مقاولة الناس ، أنه وضع المصدر فيه موضع الاسم ، وهذا إنما يستعمل للمبالغة في تأكيد الوصف ، كرجل عدل وصوم وفطر . { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ } خطاب لبني إسرائيل . فالمراد الصلاة التي كانوا يصلونها والزكاة التي كانوا يخرجونها . { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } أي : أعرضتم عن المضي على مقتضى الميثاق الذي فيه سعادتكم ورفضتموه . وقوله : { إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ } استثناء لبعض من كانوا في زمن سيدنا موسى عليه السلام ، أو في كل زمن ، فإنه لا تخلو أمة من الأمم ، من المخلصين الذين يحافظون على الحق بحسب معرفتهم وقدر طاقتهم ، والحكمة في ذكر هذا الاستثناء عدم بخس المحسنين حقهم ، وبيان أن وجود قليل من الصالحين في الأمة لا يمنع عنها العقاب الإلهي إذا فشا فيها المنكر ، وقلَّ المعروف . { وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ } عادتكم الإعراض عن الطاعة ومراعاة حقوق الميثاق . ثم نعى عليهم أيضاً إخلالهم بواجب الميثاق المأخوذ عليهم في حقوق العباد بقوله : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ … } .