Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 90-90)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ بِئْسَمَا ٱشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ } " ما " نكرة موصوفة بما بعدها ، منصوبة على التمييز ، مفسرة لفاعل بئس ، أي : بئس شيئاً باعوا به أنفسهم واعتاضوا لها ، فرضوا به وعدلوا إليه ، والمخصوص بالذم قوله تعالى : { أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنَزَلَ ٱللَّهُ } أي : كفرهم بالكتاب المصدق لما معهم بعد الوقوف على حقيقته { بَغْياً } حسداً { أَن يُنَزِّلُ ٱللَّهُ } لأن ينزل ، أو على أن ينزل . أي : حسدوه على أن ينزل الله { مِن فَضْلِهِ } الذي هو الوحي { عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } أي : يشاؤه ويصطفيه للرسالة { فَبَآءُو بِغَضَبٍ } أي : رجعوا لأجل ذلك بغضب ، في حسَدهم لهذا النبي صلى الله عليه وسلم حتى كفروا به { عَلَىٰ غَضَبٍ } كانوا استحقوه قبل بعثته صلى الله عليه وسلم من أجل تحريفهم الكلم ، وتضييعهم بعض أحكام التوراة ، وكفرهم بعيسى عليه السلام . قال الرازي : إن غضبه تعالى يتزايد ويكثر ويصح فيه ذلك كصحته في العذاب ، فلا يكون غضبه على من كفر بخصلة واحدة ، كغضبه على من كفر بخصال كثيرة . قلت : وفي الصحيحين عن أبي هريرة : " اشتد غضب الله على من زعم أنه ملك الأملاك لا ملك إلا الله " والروايات في توصيف غضبه تعالى بالشدة على بعض المنكرات متوافرة . انظر الجامع الصغير . ويحتمل المعنى : فصاروا أحقاء بغضب مترادف ، فلا يكون القصد إثبات غضبين لأمرين متنوعين أو أمور ، بل المراد به تأكيد الغضب ، وتكثيره لأجل أن هذا الكفر ، وإن كان واحداً ، إلا أنه عظيم . والله أعلم . وقد قدمنا في تفسير قوله تعالى : { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } [ الفاتحة : 7 ] أن الغضب صفة وصف الله تعالى نفسه بها ، وليس غضبه كغضبنا ، كما أن ذاته ليست مثل ذواتنا ، فليس هو مماثلا لأبداننا ولا لأرواحنا ، وصفاته كذاته . وما قيل : إن الغضب من الانفعالات النفسانية فيقال نحن وذاتنا منفعلة ، فكونها انفعالات فينا لا يجب أن يكون الله منفعلاً بها . كما أن نفسه المقدسة ليست مثل ذوات المخلوقين ، فصفاته كذلك ليست كصفات المخلوقين ، ونسبة صفة المخلوق إليه كنسبة صفة الخالق إليه ، وليس المنسوب كالمنسوب والمنسوب إليه كالمنسوب إليه ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " ترون ربكم كما ترون الشمس والقمر " فشبه الرؤية بالرؤية لا المرئيّ بالمرئيّ . وهذا يتبيّن بقاعدة : وهي أن كثيراً من الناس يتوهم ، في بعض الصفات أو كثير منها أو أكثرها أو كلها ، أنها تماثل صفات المخلوقين ، ثم يريد نفي ذلك الذي فهمه فيقع في أربعة أنواع من المحاذير : أحدها : كونه مثّل ما فهمه من النصوص لصفات المخلوقين . وظن أن مدلول النصوص هو التمثيل . الثاني : أنه إذا جعل ذلك هو مفهومها وعطّله فبقيت النصوص معطلة عما دلت عليه من إثبات الصفات اللائقة بالله فيبقى مع جنايةٍ على النصوص ، وظنه السَّيئ الذي ظنه بالله ورسوله ، حيث خلاف الذي يفهم من كلامهما ، من إثبات صفات الله والمعاني الإلهية اللائقة بجلال الله تعالى . الثالث : أنه ينفي تلك الصفات عن الله بغير دليل . فيكون معطِّلاً عما يستحقه الرب تبارك وتعالى . الرابع : أنه يصف الرب بنقيض تلك الصفات من صفات الموات والجمادات وصفات المعدومات ، فيكون قد عطل صفات الكمال التي يستحقها الرب ، ومثّله بالمنقوصات والمعدومات ، وعطّل النصوص عما دلت عليه من الصفات ، وجعل مدلولها هو التمثيل بالمخلوقات ، فيجمع في الله وفي كلام الله بين التعطيل والتمثيل ، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً . أفاده الإمام ابن تيمية ، عليه الرحمة ، في القاعدة التدمرية . { وَلِلْكَافِرِينَ } أي : لهم . والإظهار في موضع الإضمار للإشعار بعلّية كفرهم لما حاق بهم { عَذَابٌ مُّهِينٌ } يراد به إهانتهم . أي : إذلالهم . فإن كفرهم ، لما كان سببه البغي والحسد ، ومنشأ ذلك التكبر ، قوبلوا بالإهانة والصغار في الآخرة كما قال تعالى { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [ غافر : 60 ] أي : صاغرين حقيرين .