Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 3-3)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } . لما أمر الله بعقوبة الزانييْن ، حرم مناكحتهما على المؤمنين ، هجراً لهما ولما معهما من الذنوب كقوله : { وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ } [ المدثر : 5 ] وجعل مجالس فاعل ذلك المنكر ، مثلَه بقوله : { إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ } [ النساء : 140 ] وهو زوج له قال تعالى : { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ } [ الصافات : 22 ] أي : عشراءهم وأشباههم . ولهذا يقال : ( المستمع شريك المغتاب ) ورفع إلى عمر بن عبد العزيز قوم يشربون الخمر . وكان فيهم جليس لهم صائم ، فقال : ابدءوا به في الجلد ألم يسمع قول الله تعالى : { فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ } [ النساء : 140 ] فإذا كان هذا في المجالسة والعشرة العارضة حين فعلهم المنكر ، يكون مجالسهم مثلا لهم ، فكيف بالعشرة الدائمة : ( والزوج ) يقال له : العشير . كما في الحديث : " ويكفرن العشير " وأخبر أنه لا يفعل ذلك إلا زان أو مشرك . أما المشرك فلا إيمان له يزجره عن الفواحش ومجامعة أهلها . وأما الزاني ففجوره يدعوه إلى ذلك ، وإن لم يكن مشركاً . وفيها دليل على أن الزاني ليس بمؤمن مطلق الإيمان . وإن لم يكن مشركا كما في الصحيح : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " وذلك أنه أخبر أنه لا ينكح الزانية إلا زان أو مشرك ، ثم قال تعالى : { وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } فعلم أن الإيمان يمنع منه ، وأن فاعله إما مشرك وإما زان ، ليس من المؤمنين الذين يمنعهم إيمانهم من ذلك . وذلك أن المزاناة فيها فساد فراش الرجل وفي مناكحتها معاشرة الفاجرة دائماً . والله قد أمر بهجر السوء وأهله ما داموا عليه ، وهذا موجود في الزاني . فإنه إن لم يفسد فراش امرأته كان قرين سوء لها ، كما قال الشعبي : من زوج كريمته من فاسق ، فقد قطع رحمها . وهذا مما يدخل المرأة ضراراً في دينها ودنياها . فنكاح الزانية أشد من جهة الفراش . ونكاح الزاني أشد من جهة أنه السيد المالك الحاكم . فتبقى المرأة الحرة العفيفة في أسر الفاجر الزاني الذي يقصر في حقوقها ، ويعتدي عليها ، ولهذا اتفقوا على اعتبار الكفاءة في الدين ، وعلى ثبوت الفسخ بفوات هذه الكفاءة . واختلفوا في صحة النكاح بدون ذلك . فإن من نكح زانية فقد رضى لنفسه بالقيادة والدياثة . ومن نكحت زانيا فهو لا يحصن ماءه ، بل يضعه فيها وفي غيرها من البغايا . فهي بمنزلة المتخذة خدناً . فإن مقصود النكاح حفظ الماء في المرأة . وهذا لا يحفظ ماءه . والله سبحانه شرط في الرجال أن يكونوا محصنين غير مسافحين ، فقال : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ } [ النساء : 24 ] وهذا مما لا ينبغي إغفاله . فإن القرآن قد قصه وبينه بياناً مفروضاً . كما قال تعالى : { سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا } [ النور : 1 ] . فأما تحريم نكاح الزانية فقد تكلم فيه الفقهاء . وفيه آثار عن السلف . وليس مع من أباحه ما يعتمد عليه . وقد ادعى بعضهم أنها منسوخة بقوله : { وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ } [ النساء : 24 ] وزعموا أن البغيّ من المحصنات . وتلك حجة عليهم ، فإن أقل ما في الإحصان العفة . وإذا اشترط فيه الحرية ، فذاك تكميل للعفة والإحصان . ومن حرم نكاح الأمة لئلا يرق ولده ، فكيف يبيح البغي الذي يلحق به من ليس بولده ؟ وأين فساد فراشه من رق ولده ؟ وكذلك من زعم أن النكاح هنا هو الوطء وهذا حجة عليهم فمن وطيء زانية أو مشركة بنكاح ، فهو زان . وكذلك من وطئها زان . فإن ذم الزاني بفعله الذي هو الزنا . حتى لو استكرهها أو استدخلت ذكره وهو نائم كانت العقوبة للزاني دون قرينه . والمقصود أن الآية تدل على أن الزاني لا يتزوج إلا زانية أو مشركة . وأن ذلك حرام على المؤمنين . وليس هذا مجرد كونه فاجراً , بل لخصوصية كونه زانياً . وكذلك في المرأة . ليس بمجرد فجورها ، بل لخصوص زناها ، بدليل أنه جعل المرأة زانية إذا تزوجت زانياً كما جعله زانياً إذا تزوج زانية . وهذا إذا كانا مسلمين يعتقدان تحريم الزنا . وإلا إن كانا مشركين ، فينبغي أن يعلم ذلك . ومضمونه : أن الزاني لا يجوز إنكاحه حتى يتوب . وذلك يوافق اشتراطه الإحصان ، والمرأة الزانية لا تحصن فرجها . ولهذا يجب عليه نفي الولد الذي ليس منه . فمن نكح زانية فهو زان ، أي تزوجها . ومن نكحت زانياً فهي زانية ، أي تزوجته . فإن كثيراً من الزناة قصروا أنفسهم على الزواني ، فتكون خدناً له لا يأتي غيرها ، فإن الرجل إذا كان زانياً لا يعف امرأته فتتشوق إلى غيره فتزني كما هو الغالب على نساء الزاني ومن يلوط بالصبيان فإن نساءهم يزنين ليقضين أربهن وليراغمن أزواجهن . ولهذا يقال : عفوا تعف نساؤكم ، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم فكما تدين تدان ، والجزاء من جنس العمل ، ومن عقوبة السيئة السيئة بعدها . فإن الرجل إذا رضى أن ينكح زانية ، رضي بأن تزني امرأته . والله سبحانه قد جعل بين الزوجين مودة ورحمة . فأحدهما يحب لنفسه ما يحب للآخر . فإذا رضيت المرأة أن تنكح زانياً فقد رضيت عمله ، وكذلك الرجل . ومن رضى بالزنا فهو بمنزلة الزاني ، فإن أصل الفعل هو الإرادة . ولهذا في الأثر من غاب من معصية فرضيها كان كمن شهدها . وفي الحديث : " المرء على دين خليله " وأعظم الخلة خلة الزوجين . وأيضاً ، فإن الله تعالى جعل في نفوس بني آدم من الغيرة ما هو معروف . فيستعظم الرجل أن يطأ الرجل امرأته ، أعظم من غيرته على نفسه أن يزني . فإذا لم يكره أن تكون زوجته بغياً وهو ديوثاً ، كيف يكره أن يكون هو زانياً ؟ ولهذا لم يوجد من هو ديوث أو قواد يعف عن الزنا ، فإن الزنا له شهوة في نفسه . والديوث له شهوة في زنا غيره . فإذا لم يكن معه إيمان يكره من زوجته ذلك ، كيف يكون معه إيمان يمنعه من الزنا ؟ فمن استحل أن يترك امرأته تزني ، استحل أعظم الزنا . ومن أعان على ذلك فهو كالزاني . ومن أقر عليه ، ما إمكان تغييره ، فقد رضيه . ومن تزوج غير تائبة فقد رضي أن تزني . إذ لا يمكنه منعها . فإن كيدهن عظيم . ولهذا جاز له ، إذا أتت بفاحشة مبينة ، أن يعضلها لتفتدي . لأنها بزناها طلبت الاختلاع منه وتعرضت لإفساد نكاحه . فإنه لا يمكنه المقام معها حتى تتوب . ولا يسقط المهر بمجرد زناها كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم للملاعن ( لما قال مالي ) , قال : " لا مال لك عندها إن كنت صادقاً فهو بما استحللت من فرجها ، وإن كنت كاذباً عليها فذاك أبعد وأبعد لك منها " ؛ لأنها إذا زنت قد تتوب . لكن زناها يبيح إعضالها حتى تفتدي إن اختارت فراقه ، أو تتوب . وفي الغالب أن الرجل لا يزني بغير امرأته ، إلا إذا أعجبه ذلك الغير . فلا يزال يزني بما يعجبه ، فتبقى امرأته بمنزلة المعلقة . لا هي أيم ولا ذات زوج . فيدعوها ذلك إلى الزنا ، ويكون الباعث لها مقابلة زوجها على وجه القصاص . فإذا كان من العادين لم يكن قد أحصن نفسه . وأيضاً فإن داعية الزاني تشتغل بما يختاره من البغايا ، فلا تبقى داعيته إلى الحلال تامة . ولا غيرته كافية في إحصانه المرأة ، فتكون عنده كالزانية المتخذة خدناً ، وهذه معان شريفة لا ينبغي إهمالها . وعلى هذا ، فالمساحِقة زانية ، كما في الحديث : " زنا النساء سحاقهن " والذي يعمل عمل قوم لوط زان ، فلا ينكح إلا زانية أو مشركة . ولهذا يكثر في نساء اللوطية من تزني ، وربما زنت بمن يتلوط به مراغمة له وقضاء لوطرها . وكذلك المتزوجة بمخنث ينكح كما تنكح ، هي متزوجة بزان ، بل هو أسوأ الشخصين حالا . فإنه مع الزنا صار ملعونا على نفسه للتخنيث ، غير اللعنة التي تصيبه بعمل قوم لوط . فإن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من يعمل عمل قوم لوط . وفي الصحيح أنه لعن المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء . وكيف يجوز لها أن تتزوج بمخنث قد انتقلت شهوته إلى دبره ؟ فهو يؤتى كما تؤتى المرأة . وتضعف داعيته من أمامه كما تضعف داعية الزاني بغير امرأته عنها . فإذا لم يكن له غيرة على نفسه ، ضعفت غيرته على امرأته وغيرها . ولهذا يوجد من كان مخنثا ليس له كبير غيرة على ولده ومملوكه ومن يكفله ، والمرأة إذا رضيت بالمخنث واللوطي ، كانت على دينه ، فتكون زانية ، وأبلغ . فإن تمكين المرأة من نفسها أسهل من تمكين الرجل من نفسه . فإذا رضيت ذلك من زوجها رضيته من نفسها . ولفظ الآية : { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ } يتناول هذا كله بطريق عموم اللفظ ، أو بطريق التنبيه . وفحوى الخطاب الذي هو أقوى من مدلول اللفظ . وأدنى من ذلك أن يكون بطريق القياس ، كما بيناه في حد اللوطي وغيره . انتهى كلام ابن تيمية رحمه الله . وكله تأييد لما ذهب إليه الإمام أحمد من أنه لا يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغي ، ما دامت كذلك ، فإن تابت صح العقد عليها ، وإلا فلا . وكذلك لا يصح . تزويج المرأة الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح حتى يتوب توبة صحيحة . لقوله تعالى : { وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } كما فضله تقي الدين . وقد روى هنا الحافظ ابن كثير آثاراً مرفوعة وموقوفة ، كلها مؤكدة لهذا . ثم قال بعدها : فأما الحديث الذي رواه النسائي عن ابن عباس قال : " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن عندي امرأة من أحب الناس إليّ ، وهي لا تمنع يد لامس . قال : " طلقها " قال : لا صبر لي عنها . قال : " استمتع بها " فقال النسائي : هذا الحديث غير ثابت . وعبد الكريم أحد رواته ضعيف الحديث ليس بالقويّ . وقال الإمام أحمد : هو حديث منكر . وقال ابن قتيبة : إنما أراد أنها سخية لا تمنع سائلا . وحكاه النسائي في سننه عن بعضهم : فقال : وقيل : سخية تعطي . ورد هذا بأنه لو كان المراد لقال : لا ترد يد ملتمس . وقيل : المراد أن سجيتها لا ترد يد لامس ، لا أن المراد أن هذا واقع منها ، وأنها تفعل الفاحشة . فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأذن في مصاحبة من هذه صفتها ، فإن زوجها والحالة هذه يكون ديوثا ، وقد تقدم الوعيد على ذلك . ولكن لما كانت سجيتها هكذا ليس فيها ممانعة ولا مخالفة لمن أرادها لو خلا بها أحد ، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقها . فلما ذكر أنه يحبها أباح البقاء معها . لأن محبته لها محققة . ووقوع الفاحشة منها متوهم ، فلا يصار إلى الضرر العاجل للتوهم الآجل . والله أعلم . انتهى . لطيفة سر تقديم ( الزانية ) في الآية الأولى و ( الزاني ) في الثانية : أن الأولى في حكم الزنا والأصل فيه المرأة لما يبدو منها من الإيماض والإطماع . والثانية في نكاح الزناة إذا وقع ذلك على الصحة . والأصل في النكاح الذكور ، وهم المبتدئون بالخطبة ، فلم يسند إلا لهم ، لهذا . وإن كان الغرض من الآية تنفير الأعِفّاء من الذكور والإناث ، من مناكحة الزناة ذكوراً وإناثاً ، زجراً لهم عن الفاحشة ، ولذَلك قرن الزنا والشرك . ومن ثم كره مالك رحمه الله مناكحة المشهورين بالفاحشة . وقد نقل أصحابه الإجماع في المذهب على أن للمرأة أو لمن قام من أوليائها فسخ نكاح الفاسق . ومالكٌ أبعد الناس من اعتبار الكفاءة إلا في الدين . وأما في النسب فقد بلغه أنهم فرقوا بين عربية ومولى ، فاستعظمه وتلا : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [ الحجرات : 13 ] انتهى كلام الناصر في ( الانتصاف ) ومراد السلف بالكراهة ، ما تعرف بالكراهة التحريمية . فيقرب بذلك مذهب المالكية . ثم بين تعالى حكم جلد القاذف للمحصنة ، وهي الحرة البالغة العفيفة ، بقوله سبحانه وتعالى : { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ … } .