Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 75-81)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ ٱلأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ } أي : أفأبصرتم ، أو أتأملتم فعلمتم ما كنتم تعبدونه وسلفكم . فإنهم بغضائي { إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } أي : لكن رب العالمين ليس كذلك ، فإنه وليى في الدنيا والآخرة ، لا أعبد غيره . ثم برهن على موجب قصر عبادته عليه تعالى بقوله : { ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } أي : إلى كل ما يهمني من أمور الدين والدنيا ، فإنه تعالى وحده يهدي كلا لم خلق له . والموصول صفة لـ ( رب ) وجعلُه مبتدأ وما بعده خبراً - غيرُ حقيق بجزالة التنزيل . قاله أبو السعود . { وَٱلَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ } أي : يرزقني بما سخر ويسر من الأسباب السماوية والأرضية ، فساق المزن ، وأنزل الماء وأحيى به الأرض وأخرج به من كل الثمرات رزقاً للعباد ، وأنزل الماء عذباً زلالاً يسقيه مما خلق أنعاماً وأناسيّ كثيراً . { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } أي : إذا وقعت في مرض فإنه لا يقدر على شفائي أحد غيره بما قدره من الأسباب الموصلة إليه . وإنما نسب المرض إلى نفسه والشفاء إلى الله تعالى ، مع أنهما منه ، لمراعاة حسن الأدب معه تعالى . بتخصيصه بنسبة الشفاء الذي هو نعمة ظاهرة إليه تعالى كما قال الخضر : { فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا } [ الكهف : 79 ] وقال : { فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا } [ الكهف : 82 ] وكقول الجن في آيةٍ { أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي ٱلأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً } [ الجن : 10 ] ولأن كثيراً من أسباب المرض يحدث بتفريط من الإنسان في مطاعمه ومشاربه وغير ذلك . ومن ثم قالت الحكماء : لو قيل لأكثر الموتى : ما سبب آجالكم ؟ لقالوا : التخم . { وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ } فإنه هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده ، لا يقدر على ذلك أحد سواه . فإن قيل إن الموت قد يكون بتفريط الإنسان ، وقد أضافه تعالى إلى نفسه ، فما الفرق بين نسبة الموت ونسبة المرض في مقتضى الأدب ؟ أجيب كما في ( الانتصاف ) : بأن الموت قد علم به بأنه قضاء محتوم من الله تعالى على سائر البشر ، وحكم عامٌّ لا يخص ، ولا كذلك المرض فكم من معافى منه قد بغته الموت ؛ فالتأسي بعموم الموت لعله يُسقط أثر كونه بلاء ، فيسوغ في الأدب نسبته إلى الله تعالى . وأما المرض ، فلما كان مما يخص به بعض البشر دون بعض ، كان بلاء محققاً . فاقتضى العلوّ في الأدب مع الله تعالى ، أن ينسبه الإنسان إلى نفسه ، باعتبار ذلك السبب الذي لا يخلو منه . ويؤيد ذلك أن كل ما ذكره مع المرض ، أخبر عن وقوعه بتاً وجزماً ، لأنه أمر لا بد منه . وأما المرض ، فلما كان قد يتفق وقد لا ، أورده مقروناً بشرط إذا فقال : { وَإِذَا مَرِضْتُ } وكان ممكناً أن يقول والذي يمرضني فيشفيني ، كما في غيره فما عدل عن المطابقة المجانسة المأثورة ، إلا لذلك . انتهى . قال أبو السعود : وأما الإماتة ، فحيث كانت من معظم خصائصه تعالى كالإحياء ، بدءاً وإعادة ، وقد نيطت أمور الآخرة جميعاً بها وبما بعدها من البعث نظمها في سمط واحد في قوله تعالى : { وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ } على أن الموت ، لكونه ذريعة إلى نيله عليه الصلاة والسلام للحياة الأبدية ، بمعزل من أن يكون غير مطموع عنده عليه الصلاة والسلام .