Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 4-8)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ } أي : مددنا لهم في غيّهم ، فهم يتيهون في ضلالهم . وكان هذا جزاء على ما كذّبوا به من الدار الآخرة والجزاء على الأعمال كما قال تعالى : { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَٰرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [ الأنعام : 110 ] { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ وَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ } أي : أشد الناس خسراناً للنجاة وثواب الله . { وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } أي : لتؤتاه وتلقنه من عند حكيم في أمره ونهيه ، عليم بالأمور جليّها وخفيها . فخبره هو الصدق المحض والحكمة البالغة ، كما قال : { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً } [ الأنعام : 115 ] والجملة مستأنفة ، سيقت بعد بيان بعض شؤون القرآن الكريم ، تمهيداً لما يعقبه من الأنباء الجليلة . وقد بدأ منها بما كان من أمر موسى عليه السلام واصطفائه وإيتائه من الآيات الباهرة ما أذلّ معانديه ، وجعلهم مثل السوء . فقال سبحانه : { إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لأَهْلِهِ } أي : حين قفل من مدين إلى مصر ، وأضَلَّ الطريق { إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً } أي : رأيتها { سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ } أي : عن الطريق { أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ } أي : بشعلة مقتبسة { لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } أي : تتدفئون به { فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا } أي : بورك من في مكان النار ومَن حول مكانها . ومكانها البقعة التي حصلت فيها . وتدل عليه قراءة أُبيّ ( تباركت الأرض ومن حولها ) وعنه : بوركت النار . والذي بوركت له البقعة ، وبورك من فيها وحواليها ، حدوث أمر دينيّ فيها ، وهو تكليم الله موسى ، واستنباؤه له ، وإظهار المعجزات عليه . ورب خير يتجدد في بعض البقاع ، فينشر الله بركة ذلك الخير في أقاصيها ويبث أثار يمنه في أباعدها . فكيف بمثل ذلك الأمر العظيم الذي جرى فـ تلك البقعة المباركة ؟ كذا في ( الكشاف ) . وقال السمين : ( بارك ) يتعدى بنفسه . فلذلك بني للمفعول . باركك الله ، وبارك عليك ، وبارك فيك وبارك لك . والمراد بـ { مَنْ } إما الباري تعالى وهو على حذف مضاف ، أي من قدرته وسلطانه في النار . وقيل المراد به موسى والملائكة . وكذلك قوله : { وَمَنْ حَوْلَهَا } وقيل المراد بـ { مَنْ } غير العقلاء . وهو النور والأمكنة التي حولها . انتهى . ولذا قال الزمخشري : والظاهر أنه عامّ في كل من كان في تلك الأرض وفي ذلك الوادي وحواليهما من أرض الشام . قال : ولقد جعل الله أرض الشام بالبركات موسومة في قوله : { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 71 ] وحقت أن تكون كذلك . فهي مبعث الأنبياء صلوات الله عليهم ، ومهبط الوحي إليهم ، وكفاتهم أحياء وأمواتاً . ثم قال : ومعنى ابتداء خطاب الله موسى بذلك عند مجيئه ، هي بشارة له بأنه قد مضى أمر عظيم تنتشر منه في أرض الشام كلها البركة . انتهى . وقال القرطبيّ : هذا تحية من الله تعالى لموسى ، وتكرمة له . كما حيا إبراهيم على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه فقالوا : { رَحْمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ } [ هود : 73 ] . وعن ابن عباس : لم تكن تلك النار ناراً ، وإنما كانت نوراً يتوهج . وعنه : هي نور رب العالمين . وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي عبيدة عن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام . يخفض القسط ويرفعه . يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل . حجابه النور أو النار . لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره " ثم قرأ أبو عبيدة : { أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا } . قال ابن كثير : وأصل الحديث مخرج في صحيح مسلم من حديث عمرو بن مرّة { وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي : الذي يفعل ما يشاء ، ولا يشبهه شيء من مخلوقاته ، ولا يحيط به شيء من مصنوعاته ، وهو العليّ العظيم المباين لجميع المخلوقات ، ولا يكتنفه الأرض والسماوات ، بل هو الأحد الصمد المنزه عن مماثلة المحدثات . قاله ابن كثير . وقد أفاد أن المقام اقتضى التنزيه ، دفعاً لإيهام ما لا يليق من التشبيه . ثم إن موسى عليه السلام ، أعلمه تعالى بأنه هو الذي يكلمه ويناجيه ، لا ملك ولا خلق آخر ، بل ذاته العلية المستحقة للألوهية والنعوت القدسية ، فقال سبحانه : { يٰمُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا ٱللَّهُ … } .