Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 85-89)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَوَقَعَ ٱلْقَوْلُ } أي : مدلوله وهو العقاب الموعودون به { عَلَيهِم بِمَا ظَلَمُواْ فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ * أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا ٱلْلَّيْلَ لِيَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً } أي : ليبصروا ، بما فيه من الإضاءة ، طرق التقلب في أمور المعاش { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ } أي : حضروا الموقف بين يديه { دَاخِرِينَ } أي : صاغرين { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ } عطف على { يُنفَخُ } داخل في حكم التذكير { تَحْسَبُهَا جَامِدَةً } أي : ثابتة في أماكنها { وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } أي : في تخلل أجزائها وانتفاشها . كما في قوله تعالى : { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } [ القارعة : 5 ] { صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } أي : فيجازيهم عليه . تنبيه ما ذكرناه في تفسير هذه الآية هو ما ذهب إليه كثير . قالوا : المراد بهذه الآية تسيير الجبال الذي يحصل يوم القيامة ، حينما يبيد الله تعالى العوالم ، كما قال : { وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً } [ النبأ : 20 ] وكما قال : { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ نُسِفَتْ } [ المرسلات : 10 ] وقال : { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } [ القارعة : 5 ] . وقال بعض علماء الفلك : لا يمكن أن يكون المراد بهذه الآية ما قالوه ، لعدة وجوه : الأول : أن قوله تعالى : { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً } لا يناسب مقام التهويل والتخويف إذا أريد بها بما يحصل يوم القيامة . وكذلك قوله { صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } [ النمل : 88 ] لا يناسب الإهلاك والإبادة ، على أن محل هذه الآية على المستقبل ، مع أنها صريحة في إرادة الحال ، شيء لا موجب له . وهو خلاف الظاهر منها . الثاني : أن سير الجبال للفناء يوم القيامة ، يحصل عند خراب العالم وإهلاك جميع الخلائق وهذا شيء لا يراه أحد من البشر كما قال : { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } [ الزمر : 68 ] أي : من الملائكة . فما معنى قوله إذن : { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً } [ النمل : 88 ] . الثالث : أن تسيير الجبال الذي يحصل يوم القامة ، إذا رآه أحد شعر به . لأنه ما دام وضعها يتغير بالنسبة للإنسان ، فيحسّ بحركتها . وهذا ينافي قوله تعالى : { تَحْسَبُهَا جَامِدَةً } أي : ثابتة . أما في الدنيا فلا نشعر بحركتها ، لأننا نتحرك معها ولا يتغير وضعنا بالنسبة لها . وهذا بخلاف ما يحصل يوم القيامة . فإن الجبال تنفصل عن الأرض وتنسف نسفاً . وهذا شيء يراه كل واقف عندها . الرابع : ورود هذه الآية في سياق الكلام على يوم القيامة ، لورود آية { أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا ٱلْلَّيْلَ لِيَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً } المذكورة قبلها في نفس هذا السياق ، والمراد بهما ذكر شيء من دلائل قدرة الله تعالى ، المشاهدة آثارها في هذا العالم الآن من حركة الأرض وحدوث الليل والنهار ، ليكون ذلك دليلا على قدرته على البعث والنشور يوم القيامة فإن القادر على ضبط حركات هذه الأجرام العظيمة ، لا يصعب عليه أن يعيد الإنسان ، وأن يضبط حركاته وأعماله ويحصيها عليه . ولذلك ختم هذه الآية بقوله : { إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } فذكر هذه الأشياء في هذا السياق ، هو كذكر الدليل مع المدلول ، أو الحجة مع الدعوى . وهي سنة القرآن الكريم . فإنك تجد الدلائل منبثة بين دعاويه دائماً ، حتى لا يحتاج الإنسان لدليل آخر خارج عنها . وذلك شيء مشاهد في القرآن من أوله إلى آخره . اهـ كلامه . وقال العلامة المرجانيّ في مقدمة كتابه ( وفية الأسلاف ، وتحيّة الأخلاف ) في بحث علم الهيئة ، ما مثاله : ويدل على حركة الأرض قوله تعالى : { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } الآية . فإنه خطاب لجناب الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإيذان الأمر له بالأصالة مع اشتراك غيره في هذه الرؤية . وحسبان جمود الجبال وثباتها على مكانها ، مع كونها متحركة في الواقع بحركة الأرض ، ودوام مرورها مرّ السحاب في سرعة السير والحركة . قال : وقوله { صُنْعَ ٱللَّهِ } من المصادر المؤكدة لنفسها . وهو مضمون الجملة السابقة . يعني : أن هذا المرور هو صنع الله . كقوله تعالى : { وَعْدَ ٱللَّهِ } [ النساء : 122 ] { صِبْغَةَ ٱللَّهِ } [ البقرة : 138 ] ثم ( الصنع ) هو عمل الإنسان ، بعد تدرب فيه وتروّ وتحري إجادة . ولا يسمى كل عمل صناعة ، ولا كل عامل صانعاً ، حتى يتمكن فيه ويتدرب وينسب إليه . وقوله : { ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } كالبرهان على إتقانه ، والدليل على إحكام خلقته ، وتسويته مروره على ما ينبغي . لأن إتقان كل شيء . ، يتناول إتقانه . فهو تثنية للمراد وتكرير له ، كقوله تعالى : { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ } [ آل عمران : 97 ] قال : وقد اشتملت هذه الآية على وجوه من التأكيد ، وأنحاء من المبالغة . فمن ذلك تعبيره ( بالصنع ) الذي هو الفعل الجميل المتقن المشتمل على الحكمة . وإضافته إليه تعالى ، تعظيماً له وتحقيقاً لإتقانه وحسن أعماله . ثم توصيفه سبحانه بإتقان كل شيء ، ومن جملته هذا المرور . ثم إيراده بالجملة الاسمية الدالة على دوام هذه الحالة واستمرارها مدى الدهور . ثم التقييد بالحال ، لتدل على أنها لا تنفك عنها دائماً . فإن قوله تعالى : { وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } حال من المفعول به ، وهو الجبال . ومعمول لفعله الذي هو رؤيتها على تلك الحال . فهذه الآية صريحة في دلالتها على حركة الأرض ومرور الجبال معها في هذه النشأة . وليس يمكن حملها على أن ذلك يقع في النشأة الآخرة ، أو عند قيام الساعة وفساد العالم وخروجه عن متعاهد النظام . وأن حسبانها جامدة لعدم تبين حركة كبار الأجرام إذا كانت في سمت واحد . فإن ذلك لا يلائم المقصود من التهويل على ذلك التقدير . على أن ذلك نقض وإهدام ، وليس من صنع وإحكام . قال : والعجب من حذاق العلماء المفسرين ، عدم تعرضهم لهذا المعنى ، مع ظهوره واشتمال الكتب الحكمية على قول بعض القدماء . مع أنه أولى وأحق من تنزيل محتملات كتاب الله على القصص الواهية الإسرائيلية ، على ما شحنوا بها كتبهم . وليس هذا بخارج عن قدرة الله تعالى ، ولا بعيد عن حكمته ، ولا القول به بمصادم للشريعة والعقيدة الحقة ، بعد أن تعتقد أن كل شيء حادث بقدرة الله تعالى وإرادته وخلقه بالاختيار ، كائنا ما كان ، وهو العليّ الكبير ، وعلى ما يشاء قدير . واعلم أن هذه الآية وما قبلها من قوله تعالى : { أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا ٱلْلَّيْلَ } الآية ، اعتراض في تضاعيف ما ساقه من الآيات الدالة على أحوال الحشر وأهوال القيامة ، كاعتراض توصية الإنسان بوالديه في تضاعيف قصة لقمان . ومثل ذلك ليس بعزيز في القرآن . وفائدته هنا ، التنبيه على سرعة تقضّي الآجال ومضيّ الآماد . والتهويل من هجوم ساعة الموت وقرب ورود وقت المعاد . فإن انقضاء الأزمان ، وتقضى الأوان ، إنما هو بالحركة اليومية المارّة على هذه السرعة المنطبقة على أحوال الإنسان . وهذا المرور . وإن لم يكن مبصرا محسوسا ، يكن ما ينبعث منه تبدل الأحوال ، بما يطرأ من تعاقب الليل والنهار وغيره ، بمنزلة المحسوس المبصر { فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } [ الحشر : 2 ] فيكون هذا معجزة للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، مخصوصة به ، إذ لم يخبر به غيره من الأنبياء . فليس بممكن حمل الآية على تسيير الجبال الواقع عند قيام الساعة ووفاء النشأة الآخرة . إذ ليس هو من ( الصنع ) في شيء . بل هو إفساد أحوال الكائنات ، وإخلال نظام العالم ، وإهلاك بني آدم . اهـ . كلام المرجانيّ . { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ } أي : لا يعتريهم ذلك الفزع الهائل . وقرئ : " فَزَعِ يومئذ " بالإضافة وكسر الميم وفتحها . وفزع منوناً وفتح الميم ، على أنه ظرف ( لآمنون ) أو المحذوف هو صفة للفزع . والتنوين في { يَوْمَئِذٍ } عوض عن جملة محذوفة ، أي يوم إذا جاءوا بالحسنة .