Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 45-46)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ } أي : تقربا إلى الله تعالى بقراءته ، وتحفظاً لألفاظه ، واستكثاراً لما في تضاعيفه من المعاني . فإن القارئ المتأمل قد ينكشف له بالتكرار ما لم ينكشف له أول ما قرع سمعه . وتذكيراً للناس ، وحملا لهم على العمل بما فيه ، من الأحكام ومحاسن الآداب ومكارم الأخلاق { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } أي : تكون سبباً للانتهاء عن ذلك . ففيه تجوز في الإسناد . فإن قلت : كم من مصلّ يرتكب ولا تنهاه صلاته ! قلت : الصلاة التي هي الصلاة عند الله ، المستحق بها الثواب ، أن يدخل فيها مقدما للتوبة النصوح متقياً ، لقوله تعالى : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } [ المائدة : 27 ] ويصليها خاشعاً بالقلب والجوارح . ثم يحوطها بعد أن يصليها ، فلا يحبطها ، فهي الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : من لم تأمره صلاته بالمعروف ، وتنهه عن المنكر ، لم يزدد بصلاته من الله إلا بعداً . عن الحسن رحمه الله : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر ، فليست صلاته بصلاة ، وهي وبال عليه . أفاده الزمخشري . وقوله تعالى : { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } قال الزمخشري : أي : وللصلاة أكبر من غيرها من الطاعات ، وسماها بذكر الله ، كما قال : { فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } [ الجمعة : 9 ] وإنما قال : ( ولذكر الله ) ليستقل بالتعليل . كأنه قال : وللصلاة أكبر ، لأنها ذكر الله . أو : ولذكر الله عند الفحشاء والمنكر ، وذكر نهيه عنهما ووعيده عليهما ، أكبر . فكان أولى بأن يَنْهَى من اللطف الذي في الصلاة . وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، ولذكر الله إياكم برحمته ، أكبر من ذكركم إياه بطاعته . انتهى . فـ ( ذكر ) على الأولين مصدر مضاف للمفعول . وعلى ما بعدهما مضاف للفاعل ، والمفعول محذوف . والمفضل عليه في الأولين غيره من الطاعات . وفي الأخير قوله ( من ذكركم ) . وقال الرازي : لما ذكر تعالى أمرين ، وهما تلاوة الكتاب وإقامة الصلاة ، بيّن ما يوجب أن يكون الإتيان بهما على أبلغ وجوه التعظيم ، فقال { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } وأنتم إذا ذكرتم آبائكم بما فيهم من الصفات الحسنة ، تنبشون لذلك وتذكرونهم بملء أفواهكم وقلوبكم . لكن ذكر الله أكبر ، فينبغي أن يكون على أبلغ وجه التعظيم . أما الصلاة فكذلك . لأن الله يعلم ما تصنعون . وهذا أحسن صنعكم . فينبغي أن يكون على وجه التعظيم . وفي قوله : { وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } مع حذف بيان ما هو أكبر منه ، لطيفة . وهي أن الله لم يقل : أكبر من ذكر فلان ، لأن ما نسب إلى غيره بالكبر فله إليه نسبة . إذ لا يقال الجبل أكبر من خردلة وإنما يقال : هذا الجبل أكبر من هذا الجبل . فأسقط المنسوب كأنه قال : ( ولذكر الله له الكبر لا لغيره ) وهذا كما يقال في الصلاة ( الله أكبر ) أي : له الكبر لا لغيره . انتهى . ولما بيّن تعالى طريقة إرشاد المشركين ، ونفع من انتفع ، وحصول اليأس ممن امتنع ، بيّن طريقة إرشاد أهل الكتاب بقوله : { وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي : بالخصلة التي هي أحسن . وهي اللين والأناة { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } أي : بالاعتداء ، بأن أفحشوا في المقال وأقذعوا في الجدال ، فلا حرج في مقابلتهم بالعنف ، لتنكبهم عن جادة اللطف . وهذا كما قال تعالى : { لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ } [ النساء : 148 ] وهذه الآية أصل في آداب المناظرة والجدل { وَقُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } أي : مطيعون له خاصة . وفيه تعريض باتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله . قال ابن كثير : يعني : إذا أخبروا بما لا يعلم صدقه ولا كذبه , فهذا لا يقدم على تكذيبه ، لأنه قد يكون حقا . ولا على تصديقه ، فلعله أن يكون باطلا . ولكن يؤمن به إيمانا مجملا معلقا على شرط . وهو أن يكون منزلا ، لا مبدلا مؤوّلا . وروى البخاريّ عن أبي هريرة قال : كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم . وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون " وهذا الحديث تفرد به البخاريّ . وروى الإمام أحمد عن أبي نملة الأنصاري مرفوعاً : " إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم . وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله . فإن كان حقاً لم تكذبوهم , وإن كان باطلا لم تصدقوهم " ثم ليعلم أن أكثر ما يتحدثون به غالبه كذب وبهتان . لأنه قد دخله تحريف وتبديل وتغيير وتأويل . وما أقل الصدق فيه . ثم ما أقل فائدة كثير منه ، لو كان صحيحاً . روى البخاري عن ابن عباس قال : كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء ، وكتابكم الذي أنزل إليكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث . تقرؤونه محضا لم يُشَبْ . وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا وغيّروا ، وكتبوا بأيدهم الكتاب ، وقالوا : هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلا . ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم ؟ لا ، والله ! ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن الذي أنزل عليكم . وقال البخاري : وقال أبو اليمان : أخبرنا شعيب عن الزهريّ . أخبرني حميد ابن عبد الرحمن أنه سمع معاوية يحدث رهطاً من قريش بالمدينة . وذكر كعب الأحبار فقال : إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب . وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب . معناه أنه يقع منه الكذب من غير قصد . لأنه يحدث عن صحف هو يحسن بها الظن ، وفيها أشياء موضوعة ومكذوبة . لأنهم لم يكن في ملتهم حفاظ متقنون كهذه الأمة العظيمة . ومع ذلك . وقرب العهد , وضعت أحاديث كثيرة في هذه الأمة ، لا يعلمها إلا الله عز وجل . ومن منحه الله علماً علم بذلك . كل بحسبه . ولله الحمد والمنة . انتهى .