Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 51-56)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ } أي : آية مغنية عما اقترحوه { أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ } أي : وفيه نفسه من الآيات والمعجزات ما لا يرتاب معه إلا من سفه نفسه ، وكابر حسه { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } أي : الكتاب الذي هو آية مستمرة وحجة بالغة ظاهرة { لَرَحْمَةً } أي : لنعمة عظيمة في هدايته إلى الحق وإلى صراط مستقيم { وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي : تذكرة لقوم ، همهم الإيمان دون التعنت { قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً } أي : إني قد بلغتكم ما أرسلت به إليكم وأنذرتكم ، وإنكم قابلتموني بالجحد والتكذيب . يعني : كفى علمه بذلك . وجوز أن يكون المعنى شهيداً بصدقي بالتأييد والحفظ ، أي هو شاهد على ما جئت به ، مصدق له تصديق الشاهد لدعوى المدعي . قال ابن كثير : أي : فلو كنت غير محقّ ، لانتقم مني ، كما قال تعالى : { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ * فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } [ الحاقة : 44 - 47 ] وإنما أنا صادق عليه فيما أخبرتكم به . ولهذا أيدني بالمعجزات الواضحات والدلائل القاطعات . انتهى { يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي : فلا يخفى عليه حالي وحالكم { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْبَاطِلِ وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ * وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ } أي : استهزاء { وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى } أي : لكل عذاب أو قوم ، وهو وقته المعين له فيهما { لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ } أي : عاجلا { وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً } أي : فجأة في الدنيا . كوقعة بدر . فقد كانوا لغرورهم لا يتوقعون غلبة المسلمين . أو في الآخرة عند نزول الموت بهم { يَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ } أي : ستحيط بهم . أي : يستعجلونك بالعذاب وهو واقع بهم لا محالة . أو هي كالمحيطة بهم . لأن كل آت قريب . { يَوْمَ يَغْشَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيِقُولُ ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أي : جزاءه { يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَٱعْبُدُونِ } وهذا خطاب لمن لم تمكنه عبادته تعالى وحده في أرضه ، لإِيذائه في الله واضطهاده في جانبه ، أن يهاجر عنها إلى بلد مّا ، يقدّر أنه فيه أسلم قلبا ، وأصح دينا ، وآمن نفسا . وأن يتجنب المقام في بلده على تلك الحالة ، كيلا يفتنه الكافرون . أو يعرض نفسه للتهلكة ، وقد جعل له منها مخرج . وكون أرض الله واسعة ، مذكور للدلالة على المقدر . وهو كالتوطئة لما بعده . لأنها مع سعتها ، وإمكان التفسح فيها ، لا ينبغي بأرض لا يتيسر بها للمرء ما يريده . كما قيل : وكل مكان ينبت العز طيب . وقال آخر : @ إذا كان أصلي من ترابٍ فكلُّها بلادي ، وكلُّ العالمين أقاربِي @@ وقد روى الإمام أحمد عن الزبير : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " البلاد بلاد الله ، والعباد عباد الله . فحيثما أصبت خيراً فأقم " ولهذا لما ضاق على المستضعفين بمكة مقامهم ، خرجوا مهاجرين إلى أرض الحبشة ليأمنوا على دينهم هناك فوجدوا خير نزل بها ، عند ملكها النجاشيّ رحمه الله . ثم بعد ذلك هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الباقون إلى المدينة المنورة ، عملاً بالآية الكريمة . وقوله تعالى : { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ … } .