Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 102-102)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } أي : حق تقواه ، وذلك بدوام خشيته ظاهراً وباطناً والعمل بموجبها . وقد روى الحافظ ابن أبي حاتم بإسناد صحيح عن عبد الله ابن مسعود أنه قال في معنى الآية : هو أن يطاع فلا يعصى ، وأن يذكر فلا ينسى ، وأن يشكر فلا يكفر . ورواه ابن مردويه والحاكم مرفوعاً ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه . قال ابن كثير : والأظهر أنه موقوف - والله أعلم . وروى عن أنس أنه قال : لا يتقي العبدُ اللهَ حق تقاته حتى يخزن لسانه . وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية : أن يجاهدوا في سبيل الله حق جهاده ولا تأخذهم في الله لومة لائم . ويقوموا بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم . أقول : كل ما روي ، مما تشمله الآية بعمومها ، فلا تنافي . تنبيه زعم بعضهم أن هذه الجملة من الآية منسوخة بآية : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } [ التغابن : 16 ] . متأولاً حق تقاته بأن يأتي العبد بكل ما يجب لله ويستحقه ، قال : فهذا يعجز العبد عن الوفاء ، فتحصيله ممتنع . وهذا الزعم لم يصب المحزّ ، فإن كلا من الآيتين سيق في معنى خاص به ، فلا يتصور أن يكون في هذه الجملة طلب ما لا يستطاع من التقوى ، بل المراد منها دوام الإنابة له تعالى وخشيته وعرفان جلاله وعظمته قلباً وقالباً ، كما بينا . وهذا من المستطاع لكل منيب . وقوله تعالى : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } [ التغابن : 16 ] . أمر بعبادته قدر الاستطاعة بلا تكليف لما لا يطاق ، إذ : { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } [ البقرة : 286 ] . وظاهر أن من أتى بما يستطيعه من عبادته تعالى وأناب لجلاله ، وأخلص في أعماله ، وكان مشفقاً في طاعاته ، فقد اتقى الله حق تقاته . { وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } أي : مخلصون نفوسكم لله تعالى . لا تجعلون فيها شركة لما سواه أصلاً ، كما في قوله تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله } [ النساء : 125 ] . وهو استثناء مفرغ من أعمّ الأحوال ، أي : لا تموتن على حال من الأحوال ، إلا حال تحقق إسلامكم وثباتكم عليه ، كما ينبئ عنه الجملة الإسمية . ولو قيل ( إلا مسلمين ) لم يفد فائدتها . والعامل في الحال ما قبل { إِلاَّ } بعد النقض . وظاهر النظم الكريم ، وإن كان نهياً عن الموتِ المقيد بقيد ، هو الكون على أي حال غير حال الإسلام ، لكن المقصود هو النهي عن ذلك القيد عند الموت المستلزم للأمر بضده الذي هو الكون على حال الإسلام حينئذ . وحيث كان الخطاب للمؤمنين ، كان المراد إيجاب الثبات على الإسلام إلى الموت . وتوجيه النهي إلى الموت للمبالغة في النهي عن قيده المذكور . فإن النهي عن المقيد في أمثاله ، نهيٌ عن القيد ورفع له من أصله بالكلية ، مفيد لما لا يفيده النهي عن نفس القيد ، فإن قولك : لا تصلّ إلا وأنت خاشع ، يفيد من المبالغة في إيجاب الخشوع في الصلاة ما لا يفيده قولك : لا تترك الخشوع في الصلاة . لما أن هذا نهي عن ترك الخشوع فقط ، وذاك نهي عنه وعما يقارنه ، ومفيد لكون الخشوع هو العمدة في الصلاة ، وأن الصلاة بدونه حقها أن لا تفعل . وفيه نوع تحذير عما وراء الموت - أفاده أبو السعود . وقد مضى في سورة البقرة الكلام على لون آخر من سر البلاغة في هذه الجملة .